إذ أن وليم ليند وآخرون قد توقعوا منذ عام (1989) أن المستقبل يهيئ الوسائل لجيل حرب غير متناظرة. وفي هذا السياق قال ليند: «إن ثمة احتمال بانتشار حرب الجيل الرابع على نطاق واسع، وعندها يصبح من الصعوبة بمكان التمييز بين الحرب والسلام. وذلك لأنه لن يكون لهذه الحرب حدود تقف عندها، وربما ينعدم وجود ساحات قتال أو جبهات يمكن تحديدها نظرا لصعوبة التمييز بين البنى المدنية والبنى العسكرية».
ويبدو أن تكهناته قد أخذت سبيلها للتحقيق ولا سيما بعد 11 سبتمبر والحرب على الإرهاب. وبذلك يمكننا تعريف حرب الجيل الرابع بأنها مزيج معقد من فنون الحرب الباردة والحرب بالوكالة والتجسس والدعاية والإرهاب الذي تقوم به دول أو ممثلون عنها أو بعض المنظمات غير الحكومية عبر اعتماد التقنيات والتكنولوجيا المتطورة التي من بينها استخدام طائرات الدرونز أو ما يعرف باسم الطائرات المسيرة. ما انفكت الحكومات في مختلف أنحاء العالم تبحث عن سبل مختلفة في التعامل مع خطر استخدام الطائرات من دون طيار نظرا لما تملكه هذه الطائرات من إمكانيات فائقة إذ أنها أداة صغيرة قادرة على التحليق والوصول إلى مناطق يصعب الوصول إليها بالوسائل العادية ومزودة بكاميرات دقيقة تمكنها من تصوير مساحات واسعة وتخزين المعلومات والصور بدقة متناهية، الأمر الذي أثار هواجس الغرب عموما والولايات المتحدة على وجه الخصوص إذ تخشى تلك الدول اللجوء إلى استخدام هذا النوع من الطائرات وجمع معلومات حساسة عن قواتها وأمنها.
عبرت العديد من وسائل الإعلام عن قلق وتحسب الولايات المتحدة من الطائرات المسيرة عموما، وبشكل خاص تلك التي تقوم روسيا بتصنيعها. وقد ذكرت المجلة الأميركية «ناشيونال إنترست» بأن روسيا تصنع طائرات بعيدة المدى بدون طيار تفوق سرعتها سرعة الصوت يمكنها أن تدمير وسائط الدفاع الجوي المعادية. ونقلت المجلة عن خبراء عسكريين أمريكيين أن الطائرة الروسية الجديدة المُنتظرة تستطيع استخدام السرعات المختلفة والقيام بمناورات غير متوقعة على ارتفاعات منخفضة ما يجعلها هدفا صعب المنال أمام مضادات الطيران المتوفرة لدى قوات حلف شمال الأطلسي.
وفي وقت سابق، صرح نائب رئيس معهد أبحاث الطيران التابع لوزارة الدفاع الروسية، ألكسندر نيموف، لقناة «زفيزدا» إحدى قنوات التلفزيون الروسي، إن الطائرة المسيّرة الجديدة ستستطيع التحليق على ارتفاع منخفض بسرعة تفوق سرعة الصوت، وستقدر على إصابة الأهداف الثابتة والمتحركة على حد سواء. واعتبر الخبير الأميركي سام بنديت أن هذا المشروع يكشف أن روسيا تسعى لتنفيذ تكتيك تقوم به على تدمير المنشآت الاستراتيجية الهامة في أراضي العدو قبل بدء «الهجوم الرئيسي». أما بالنسبة لبريطانيا فإنها تتحسب من انتشار الطائرات بدون طيار «درونز» وتعبر عن مخاوفها من احتمال استخدام تلك الطائرات لتنفيذ هجمات إرهابية يجري التحكم فيها عن بعد من قبل متطرفين.
وحذرت دراسة أجرتها مجموعة أوكسفورد للأبحاث من المخاطر التي قد تنجم عن وقوع طائرات الدرونز في الأيدي الخطأ التي قد تستخدمها لضرب سيارة رئيس الوزراء أو استهداف المحطات النووية، بعد شحنها بقنابل. وأشارت إلى أن استخدام «درونز» من أفراد عاديين يزيد مخاطر الاعتداء على مراكز حساسة وسفارات أجنبية، وفق ما ذكرت صحيفة «غارديان» البريطانية. ودعت الدراسة الحكومة البريطانية وأجهزة الشرطة والجيش والأمن في البلاد إلى التحرك، واتخاذ إجراءات تقلص خطر الدرونز. وتشمل الإجراءات المقترحة إلزام مستخدمي الدرونز بالحصول على ترخيص، مع اعتماد أنظمة «لازر» لأجل حماية الأهداف المحتملة للاعتداءات الإرهابية، إضافة إلى إذاعات لالتقاط التردد، ودليل يسمح للشرطة والجيش بإسقاط الطائرات التي قد تكون معادية.
ورصدت الدراسة أكثر من 200 طائرة بدون طيار يمكن شراؤها من المحلات التجارية أو عبر الانترنت، على الرغم من كون تلك الطائرات قادرة على حمل مواد متفجرة ما يبعث على القلق، بحسب الدراسة، أن تطور التكنولوجيا أتاح إمكانية تنفيذ الاعتداءات الإرهابية عن بعد عبر أجهزة التحكم، وهو أمر يصعب ضبطه إن لم يكن مستحيلا. أما مجلة فورين بوليسي الأميركية فقد ذكرت أن الصين فازت بالفعل فى حرب سوق الطائرات من دون طيار «درونز»، بعد منافسة كبيرة فى تلك الصناعة، الحديثة والمهمة، متفوقة في ذلك على الولايات المتحدة الأميركية. وأضافت المجلة في تقرير لها نشرته من خلال موقعها على الإنترنت وخصصته للحديث عن التفوق الصيني في هذا المجال أن الشركات الصينية أثبتت أن أمريكا لم تعد الأولى في سوق تصدير الطائرات بدون طيار. فقد حققت الدرونز الصينية تطورا كبيرا وتقنية عالية المعالم وأصبحت تشكل تهديدا حقيقيا للتفوق النوعي لسلاح الجوي الذي تحظى به دول الغرب المتطورة. من المرجّح أن تتزايد في المستقبل أهمية الطائرات من دون طيّار كأداة فعّالة في عمليات الاستطلاع وفي تنفيذ الضربات الجوية.