في إنجاز الأقوى والأفتك والأقل تكلفة والأسرع والأكثر قدرة على التخفي وتنفيذ المهام بمختلف أشكالها وأنواعها.
ضمن هذا السياق ولدت فكرة صناعة الطائرات بدون طيار والتي تعرف بـ (طائرات الدرون) ، وبدا الصراع على إنتاجها محموما على اعتبار أنها قادرة على تنفيذ ذات الأهداف التي تنفذها الطائرات المقاتلة الأكبر منها حجما والأكثر منها تكلفة ودون أن تكتشفها الرادارات الحديثة التي صممت لرصد الطائرات المقاتلة الضخمة وليس لرصد طائرات لا يتجاوز حجمها في بعض الأحيان حجم علبة الكبريت.
(الدرون) هي طائرة مسيرة توجه عن بعد و تبرمج مسبقا للقيام بتنفيذ مهمة ما، وهي مزودة بأجهزة كاميرات وصواريخ وقذائف وقنابل، ويعد الاستخدام الأكبر لها هو في الأغراض العسكرية من أجل المراقبة والهجوم، لكن هذا لا يمنع من استخدامها في الأعمال المدنية مثل مكافحة الحرائق ومراقبة خطوط أنابيب الغاز والنفط والماء، وفي حالات الكوارث الطبيعية، وإعادة البث لمحطات الإرسال ويمكن استخدامها في مراقبة الأرصاد الجوية لمتابعة انخفاض او ارتفاع درجات الحرارة والرياح والأعاصير. لقد غيرت هذه الطائرة من طبيعة الحروب العسكرية لاسيما الحروب الجوية بحيث أصبح قائد الطائرة غير معرض لأي خطر حقيقي كونه يقوم بتوجيهها عن بعد ومن مسافات بعيدة سواء عن طريق الريموت كونترول أو عن طريق الأقمار الصناعية.
تتعدد أشكال وأنواع الطائرات المسيرة، وتختلف كل منها بحسب مهماتها وأغراضها التي تفرض قدرة محركاتها وسعتها وسرعتها وحجمها الذي يصل أحيانا الى حجم «علبة الكبريت»، وهذا ما زاد من خطورتها ورفع من سوية الاهتمام بها كونها نسفت كل المفاهيم التقليدية للحروب.
تتميز طائرات الدرون بقدرتها على التحليق عالياً جدا ولفترات طويلة وارتفاعات تصل إلى 15 ألف متر، ما يجعلها غير مرئية وغير مسموعة، وهذا النوع من الطائرات لا يحتاج إلى الأجهزة والمعدات التي تتطلبها الطائرات التقليدية، فهي ليست بحاجة إلى مقصورة أو أدوات تحكم أو إلى متطلبات أخرى مثل الضغط والأكسجين، الأمر الذي أدى إلى تخفيف وزن الطائرة وتخفيض تكلفتها بشكل كبير.
ترتبط مكونات وقدرات هذه الطائرات بطبيعة المهمة التي أنتجت من أجلها، ويختلف عرض الجناح وطول الجسم في كل نوع منها، وقد يصل في بعضها إلى بضعة سنتيمترات ويطلق عليها «الميني طائرة»، ويصل في أخرى إلى 60 مترًا، ويمكن تحميلها معدات عسكرية مثل الصواريخ والقذائف وأجهزة الاستطلاع والإنذار المبكر وكاميرات التصوير عالية الدقة، أو مدنية كأجهزة استشعار لرصد الأهداف الحرارية عن بعد. لقد ظلت الولايات المتحدة الأميركية تحتكر صناعة وتطوير الطائرات دون طيار حتى العام 2000 لحين دخول بريطانيا على خط صناعة الطائرات المسيرة ثم تلتها الصين التي كشفت مطلع العقد الحالي عن 25 نوعاً جديدًا منها. من أبرز مهام طائرات الدرون القيام بالمهام الاستطلاعية من خلال المراقبة اللحظية لأرض المعركة حيث تقوم بالتقاط وبث صور دقيقة تمكن القيادة العسكرية من رسم الخطط العسكرية المناسبة لإدارة المعركة وتحقيق الانتصار فيها وهزم العدو بأسرع وقت وبأقل التكاليف البشرية والمادية.
كما تستخدم الطائرات المسيرة في الحروب الالكترونية بوجهيها الإيجابي والسلبي، حيث يمكن لطائرات الدرون ضرب مستودعات الإعاقة السلبية (chaff) أو صواريخ نشر الرقائق، كذلك ضرب مستودعات الإعاقة المزودة بالمشاعل الحرارية، ومستودعات الإعاقة الإيجابية للتشويش على محطات الصواريخ والدفاع الجوي.
ومن أبرز مهام الطائرات المسيرة كشفها الأهداف المخطط لضربها في عمق دفاعات العدو، واكتشافها الأهداف الجوية على جميع الارتفاعات، وبث الإنذار المبكر للخطر القادم من جهة العدو، كذلك توفر طائرات الدرون المعلومات اللازمة لتوجيه صواريخ أرض ـ جو، ومتابعة وتوجيه القاذفات والطائرات المعاونة، والقيام بعمليات الإنقاذ، والاستطلاع البحري، وتوفير المعلومات لمراكز العمليات والقوات البرية بأسرع وقت ممكن.
إن الجديد في استخدام الطائرات بدون طيار هو إنتاج أجيال هجومية موجهة مع تعدد استخداماتها لجهة تطوير سبل مواجهتها لطائرات درون أخرى بعد التشويش عليها واستهدافها بشكل مباشر.
ما هو مؤكد أن الطائرات المسيرة غيرت من طبيعة الحروب والصراعات وأدخلت الاستراتيجيات العسكرية في مأزق حقيقي نتيجة وقوعها في كثير من الأحيان في أيدي التنظيمات والمجموعات، غير أن هناك إجماعا حقيقيا على أن الطائرات دون طيار سوف تشكل أسلحة الجيل الجديد من الحروب المستقبلية التي لن تعرف لها حدود مادامت ترتبط بطموحات وأطماع الدول الاستعمارية والاحتلالية.