وسط خلافات أميركية-روسية متصاعدة. واذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المعروف بلباقته ودبلوماسيته المعهودة سيسعى إلى اظهار أن بلاده تقف على قدم المساواة مع الدول الصناعية الأخرى وأنها ليست (وحشاً ظهر لتوه من الغابة) لكنه في الوقت نفسه سيكون أكثر إصراراً في مواجهة الخطط الأميركية الرامية لنشر منظومة الدرع الصاروخية في تشيكيا وبولونيا.
ومهما حاول المسؤولون في البلدين التقليل من شأن الخلافات سواء بشأن الخطط الأميركية الخاصة بنشر المنظومة الصاروخية في أوروبا أو المسائل المتعلقة بمستقبل اقليم كوسوفو والوضع في (الشرق الأسط) ولاسيما في العراق كذلك الملف النووي الايراني وغيرها من القضايا الكبرى والتي تهم البشرية مثل المناخ والاحتباس الحراري نقول مهما جرى التقليل من شأن هذه الخلافات لكن يظهر جليا أن الاختلافات بين روسيا والغرب عموما هي أكثر عمقا من ذي قبل أي منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه عام .1991
يريد بوتين الذي قاد عملية تغيير عميقة في بلاده أن يبرهن وهو على أبواب مغادرة الكرملين في العام القادم أن روسيا نهضت من كبوتها وأن الاصلاحات التي جرت إبان عهده تعطي الحق لموسكو أن يكون لها صوت مسموع في الساحة الدولية وأن عهد تفرد الولايات المتحدة في الإمساك بدفة قيادة العالم دون حسيب أو رقيب قد ولى وأنه آن الأوان لتقف بلاده على قدم المساواة مع الدول الصناعية الأخرى وقد بدأت إرهاصات هذه المرحلة بالفعل منذ عام 2006 عندما استضافت أول قمة لمجموعة الثماني على أراضيها في سان بطرسبورغ.
واذا كانت الندية في التعامل والذي يسعى بوتين لترسيخها ستواجه بردود فعل سلبية من قبل واشنطن لكن الاصرار الروسي الذي يستند الى جملة معطيات لابد أن يجعل الأميركيين يعيدون التفكير ببرامجهم وخططهم.
واذا كان الطرفان الروسي والأميركي ينفيان باستمرار الرغبة في العودة إلى أجواء الحرب الباردة وما رافقها من سباق محموم للتسلح لكن الوقائع على الأرض تشي بأن التململ الروسي من تفرد أميركا بمصير العالم وتهديد روسيا مباشرة لن يمر بسهولة فموسكو تعتبر -وهي محقة في ذلك- أن نشر عناصر من المنظومة الأميركية للدفاعات الصاروخية في أوروبا يندرج في اطار إعادة انتشار الوجود العسكري الأميركي في أوروبا باتجاه روسيا.
لذا جاء الرد الروسي عنيفا بإطلاق صواريخ بعيدة المدى وقد نجحت التجارب الأولية لإطلاق الصاروخ الروسي المجنح من طراز (ر-500) وكان هناك قبل ساعات نجاح آخر بإطلاق صاروخ (رس-24) وبحسب الخبراء فإن هذه الأنظمة الصاروخية الروسية قادرة على تجاوز المنظومات الموجودة والمستقبلية للدفاعات المضادة للصواريخ.
اذا تهدف موسكو خلال القمة القادمة لإظهار أنها قوية بما فيه الكفاية كي لا تستسلم للضغوط وكي تحافظ على خط مستقل كما يؤكد محلل في مؤسسة (هيريتيدج) يفغيني فولغ إن حزمة القضايا التي ستبحثها قمة الدول الصناعية الكبرى والتي تهم مستقبل الأرض ومن عليها ستكون محطة مهمة لتذكير قادة هذه الدول أن الطريق الحالية التي تسلكها واشنطن في معالجة القضايا الدولية مسدودة ونتائجها الكارثية تظهر للعيان في العراق وأفغانستان وكذلك في موضوع الصراع العربي-الصهيوني ناهيك عن الملف النووي لكل من بيونغ يانغ وطهران مرورا بكوسوفو وانتهاء بالديون التي تثقل كاهل الدول الفقيرة وخاصة في افريقيا وكذلك الاحتباس الحراري والتهديدات المناخية التي تمس حياة البشر في جميع القارات.
واذا كانت القمة مناسبة لوضع حد للتمادي الأميركي الموجه ضد العالم بأسره فإن المظاهرات المنددة بالعولمة الأميركية والمطالبة بتحسين شروط الحياة البشرية والتي تسبق القمة وسترافقها تقدم برهانا جديدا لكل ذي بصيرة أن العالم حاليا يقف على رأسه ولابد من جهود عالمية جبارة ليقف على رجليه.
فهل كلمة كفى الروسية في القمة كافية? أم أن الزمن سيمتد بالهيمنة الأميركية على مصير البشرية إلى وقت أطول يبدو أن المنطق والتجارب التاريخية المريرة تثبت أن العملاق الأميركي في ظل تحكم بوش والمحافظين الجدد يتحرك في مستنقع سيغرقه في نهاية المطاف بما في ذلك في الداخل الأميركي ويبدو أن القمة ستضع مدماكا على هذا الطريق خاصة وأن روسيا لن تقبل باستمرار تجاهلها وقد قال مسؤولوها هذا الكلام بوضوح لا لبس فيه.