وأن التسلية تحدث هنا نتيجة شعورنا بتمني الأذى لهؤلاء الجاهلين بأنفسهم والذين يتباهون ويختالون بنقائص لا يدركونها: نحن ندركها لأننا أصدقاء أو جيران لهم, ولذلك فنحن على مقربة منهم بحكم هذه العلاقات الاجتماعية ولكننا على مبعدة منهم أيضاً بسبب تلك المسافة التي تجعلنا ندرك وجود نقائص لديهم, لا يدركونها هم, في حين ندرك نحن ونعتقد أنها لا توجد لدينا.
في (فيليبوس) اقترح أفلاطون أن الحقد هو الجذر العميق للاستمتاع الفكاهي فخداع المرء ذاته أو تصوره- غير الحقيقي- لجماله الجسدي ثروته أوحكمته. فعندما يكون ا لمرء جميلاً قوياً حقاً أو ثرياً حقاً. أوحكيماً حقاً فإنه قد يكون موضوعاً محتملاً للكراهية, أما عندما يكون ضعيفاً وغير قادر على إيذاء الآخرين, ولكنه يتصور نفسه غير ذلك, مما يوقعه في براثن الحظ العاثر, فإن ذلك يجعله موضوعاً مثيراً فعلاً للسخرية والضحك.
هكذا فإننا كما يقول أفلاطون, نضحك من الحظ العاثر لأصدقائنا, وهو موقف تكون لدينا فيه حقاً مشاعر مختلطة من اللذة والألم.
لذلك يعد أفلاطون, كما يقول باحثون عديدون, أول من قدم نظرية اللذة, الألم- حول الفكاهة, فمن خلال تحديده السابق لعملية الجهل بالذات, بوصفه حظاً عاثراً, يوقع المرء في النقائص والشرور.
قال أفلاطون إن الضحك لذة, وذلك لأن الضحك من غرور الآخرين وأوهامهم هو بمنزلة الارتياح الخبيث من سوء حظهم, وإن هذا الارتياح يتضمن في جوهره نوعاً من الحقد وسوء الطوية ويحدث هذا الحقد في ذاته شعوراً مؤلماً. ويقارن أفلاطون بين عملية التذوق أو الاستمتاع بالجانب المثير للسخرية في سلوك الآخرين.
وبين تلك الراحة التي نشعر بها عندما نقوم بعملية حك (أوهرش أو خمش) لمنطقة تؤلمنا في الجلد فهذا الحك قد يكون مؤلماً لكنه يسبب الراحة أيضاً, إننا نكون هنا بصدد شعور مزدوج أو مختلط للجسم (ألم نتيجة الحكة, ولذة نتيجة التخفف من هذا الألم بفعل عملية الحك أوالخمش نفسها).
والأمر المضحك مزدوج المشاعر أيضاً, ففيه مزج بين اللذة والألم, وفيه نفي أيضاً ل(حكمة دلفي) الرامزة بالأسرار والقائلة (اعرف نفسك) وفيه كذلك حضور لحكمة مغايرة لها هي (اجهل نفسك) أو (لا تعرف).
ˆ الفكاهة والضحك تأليف: د. شاكر عبدالحميد