فإذا كان هذا الأخير يمس عناصر الإنتاج وينعكس سلباً على النتيجة النهائية، فإن الأثر الاجتماعي يطال الحالة النفسية للعامل وربما يمتد إلى زملاء العمل والمجتمع بصورة عامة...
وفي هذا الإطار يختلف الأثر الاجتماعي الناتج عن الحوادث والإصابات في العمل والأمراض المهنية والحالات الصحية
الصعبة تبعا لما تسببه من ندوب سلبية دائمة أو مؤقتة حسب درجة الإصابة ومدى انتشارها وتكرارها سواء أكانت فردية أم
جماعية.
فعلى المستوى الفردي تؤكد السيدة سمر عمران رئيسة قسم الصحة والسلامة المهنية في المعهد النقابي المركزي في
حديث معها أن شعور العامل بالعزلة عن المجتمع ينبع بشكل خاص عند حدوث العاهات المستديمة والإصابات الخطيرة
وذلك نتيجة عدم القدرة على المشاركة في الحياة العامة كالآخرين، مايحرمه عدم التمتع بالحياة العادية بشكل طبيعي يضاف
لذلك الشعور بالخوف والخيبة والخشية والإحباط في العمل والقلق والحذر الشديد عند القيام بأي عمل جديد، أو محاولة
التجديد لما في ذلك من مخاطر في بعض الأحيان.
أما على مستوى الزملاء في العمل فإن الشعور بالرهبة والخطورة قد ينعكس بشكل لا إرادي على معدل أداء الزملاء
العاملين ولاسيما إذا كان الحادث يمس أكثر من عامل ويؤدي ذلك إلى انخفاض مستوى الإنتاج نتيجة التوقف عن العمل
لفترة طويلة أو قصيرة.
كما أن التهرب من القيام ببعض الأعمال المشابهة لتلك المسببة للحادث أو الإصابة يضعف حلقات الإنتاج، وطاقاتها أيضا
حسب رؤية السيدة عمران مشيرة أن اللجوء إلى تغيير مكان أو جو العمل وذلك بالانتقال إلى قسم آخر في المصنع أو إلى
مصنع آخر أو إلى نفور الخبرات والمهارات هذا مايؤدي إلى دوران القوى العاملة مع ملاحظة التأثير الاقتصادي السالب
والأثر النفسي السيىء لزملاء العمل أو المهنة.
وعلى صعيد المجتمع تبين رئيسة قسم الصحة والسلامة المهنية إلى أن تكرار الحوادث والإصابات قد يضفي على أعمال
المصنع صفة الخطورة مما يزيد من أسعار اشتراكات التأمين لدى مؤسسات التأمين، علما أن حدوث الإصابات الكثيرة يفقد
الثقة بالنفس على القيام بعملية التصنيع والتي تعتبر مرحلة حضارية متقدمةبالمقارنة مع العمل الزراعي، ولهذا ينزع المجتمع
إلى العزوف عن الصناعة وربما يتجسد ذلك في سياسة الاقتصاد الوطني.
ضياع بشري
وفيما يخص تكاليف إصابات العمل هناك علاقة مباشرة بين إصابات العمل واقتصاديات المنشأة والاقتصاد القومي وذلك ناتج
من أن أي إصابة عمل تعني ضياعا بشريا على خلفية إما أن يكون فقد إنسان أو عجزه كليا أو جزئيا عن أداء عمله لإصابة
عضو من أعضائه أو إصابته بمرض يقلل من طاقته الإنتاجية، كما أن الحوادث يصاحبها دائما ضياع مادي على صورة تلف
لمعدات العمل أو تعطلها كليا أو ضياع مواد خام أو منتجات.
تكاليف مباشرة
وعن الخسائر التي يتحملها صاحب العمل والمؤثرة على اقتصاديات المنشأة مباشرة أشارت السيدة عمران إلى جملة من
العوامل أهمها التكاليف المباشرة من ناحية أجور العمال المصابين فترة انقطاعهم عن العمل بسبب الإصابة ومصروفات
العلاج للمصابين، سواء أدوية أو عمليات أو تكاليف المستشفيات إضافة للتعويض الذي يصرف على هؤلاء مقابل العجز
الذي يحدث نتيجة الإصابة.
في حين تصل قيمة التكاليف غير المباشرة إلى ستة أضعاف المباشرة حيث هناك تكلفة الوقت الضائع من العامل بمعنى
الأجر الذي لايقابله إنتاج، وأجور العمال الآخرين المجاورين للمصاب والذين يتوقفون عن العمل نتيجة التأثير النفسي إثر
المفاجأة لإصابة زميل لهم وحبّ الفضول لمعرفة أسباب الحادث.
أما الخسائر التي يتحملها العامل المصاب فهي كبيرة من الناحية المادية نتيجة حرمانه من الأجور الإضافية والمكافآت عدا
عن الألم الجسماني أو الضرر العضوي.فيما الخسائر التي يتحملها المجتمع وتؤثر على الاقتصاد القومي فهي تتجلى
بزيادة أسعار المنتجات نتيجة زيادة مصاريف الإنتاج وتحمل أعباء الإصابات وحوادث العمل بالمنشآت على قيمة المنتجات
حتى يعوض صاحب العمل خسائره، كذلك تقليص كمية المعروض من المنتجات نتيجة توقف بعض المنشآت أو جزء من
أقسامها يضاف لها زيادة أعباء الدولة على الخدمات الصحية والعلاجية للمصابين أو زيادة عدد العجزة والحاجة الماسة إلى
إعداد مؤسسات تأهيل لهم.
الجدوى الاقتصادية على المستوى الوطني
يتضح مما تقدم من خلال التكلفة الواحدة لإصابة العمل الكلية المباشرة وغير المباشرة أنها كبيرة جدا وتؤثر على الاقتصاد
الوطني وهذا يستدعي تطبيق قواعد السلامة والصحة المهنية والاستفادة من توفير النفقات التي تترتب نتيجة وقوع الحوادث
أثناء العملية الإنتاجية واستعمالها في مجالات الاستثمارات ودفع الاقتصاد الوطني عبر إقامة مشاريع اقتصادية وغيرها
والسعي أقصى الدرجات لتقليل إصابات العمل إلى أكثر قدر ممكن بغية زيادة الاستثمارات بدلا من زيادة المصروفات
الجارية وهذا يؤدي بدوره وفق دراسات وأبحاث قسم السلامة المهنية بالمعهد النقابي المركزي إلى زيادة الإنتاجية
واستخراج الثروات الباطنية مما ينعكس إيجابا على زيادة الدخل الوطني، وفرص العمل وتقليل معدل الولادات الذي يؤدي
إلى زيادة الدخل الفردي ورفع مستوى رفاهية المجتمع، أي يصبح هناك تحول نحو زيادة الإدخار والاستثمار وهذه الحلقة
في زيادة الاستثمارات تؤكد أن الدخل الوطني هو متغير ومتطور بقدر ماتقلل حوادث وإصابات العمل إلى أكبر قدر
ممكن.والأمر الآخر من الجدوى الاقتصادية التي تجنيها مؤسسات وهيئات التأمين هو المحافظة على القوى العاملة وعدم
خروج فئات من العمال من مظلة التأمين واستمرارهم حتى بلوغهم سن التقاعد والشيخوخة مع زيادة المدخرات التأمينية
والتي تساعد بدورها على ازدياد المزايا التأمينية المشمولة بالتأمين، وتجنيب الدخل القومي الخسارات التي يتعرض لها
الانتاج نتيجة ازدياد حوادث العمل وانتشار الأمراض المهنية.
وأخيرا يتبين مما سبق أن لحوادث العمل أثرا مباشرا على اقتصاديات الأفراد والمنشآت والمجتمع مايعني أن الحاجة ماسة
لإيلاء الجانب الوقائي للحوادث المذكورة واكتشاف الأمراض المهنية بصورة مبكرة، وتأمين بيئة عمل صالحة مع ضرورة
الأخذ بالاعتبار مراعاة قواعد السلامة والصحة المهنية عند إشادة المعامل والمنشآت الصناعيةلأنها تستأهل هذا الاهتمام
وتستحق دفعا قويا ودعما ماديا ومعنويا وهذا مانطمح أن يتحقق على الدوام..