بل حراماً، فعانى ما عانى من احتقار المجتمع للموسيقا.
من ذلك أنه قرر عام 1919 الزواج، وأقام في منزله حفل زفاف متواضع، وعندما بدأ المأذون بعقد قرانه على عروسه سأله عن مهنته، فأجابه سيد درويش: أنا أعمل موسيقياً.
وهنا انتفض المأذون، وثارت ثائرته، وأغلق الدفتر الذي يسجل فيه عقود الزواج، والتفت إلى الشيخ سيد قائلاً:
- أنت فاقد الأهلية، ولا تجوز شهادتك، ولا يجوز عقد قرانك، ولن يقترف أي مأذون هذا الإثم.
ولم يكن أمام سيد درويش سوى أن يأتي بمأذون آخر، وعندما سأله هذا المأذون عن مهنته، أجاب سيد درويش بأسى (مدرس)، وبهذه الكذبة فقط استطاع الفنان أن يتزوج.
وفي بداياته.. عانى سيد درويش كثيراً، حتى استطاع أن يفرض نفسه موسيقياً بين الكبار، ومن طريف ما حدث معه في بداياته، أنه كان يبحث عن كلام ليلحنه، وكان في الاسكندرية زجال مشهور اسمه يونس القاضي، كتب الكثير من المسرحيات وكلمات الأغنيات لفرق التمثيل ولكبار المطربين، وكان يونس القاضي يتردد على مكتب البريد ليتسلم الرسائل التي تأتيه، وكان موظف مكتب البريد زكي أفندي قريباً لسيد درويش.
وفي إحدى المرات طلب زكي أفندي من يونس القاضي أن يكتب كلمات أغنية، ليلحنها ملحن (غلبان) اسمه سيد درويش، وحاول يونس القاضي التهرب منه، لكن زكي أفندي كان يكرر الطلب بإلحاح في كل مرة يحضر فيها يونس القاضي إلى المكتب، وحتى يضمن يونس القاضي عدم تكرار الطلب، كتب مقطوعة زجلية سيئة جداً لا يمكن تلحينها وأعطاها لزكي أفندي.
لكن يونس القاضي فوجئ بعد عدة أيام بزجليته الرديئة، وقد تحولت إلى أغنية جميلة جداً على يد سيد درويش، رددها الناس من الاسكندرية إلى حلوان، ولم تكن هناك إذاعة ولا دور سينما، وإنما كان سيد درويش يغنيها على المسرح فقط في صيف عام 1914.
فما كان من يونس القاضي إلا أن بحث عن سيد درويش حتى وجده، وعانقه بحرارة، وبدأ بين الاثنين تعاون فني، أثمر العديد من المسرحيات والكثير من الأغنيات التي نظمها يونس القاضي ولحنها سيد درويش، من أشهرها أغنية (زوروني كل سنة مرة) التي غناها حامد مرسي عام 1914، ونالت شهرة مدوية.