تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


انتصار تموز .. انقلاب المفاهيم المتـكلسة

شؤون سياسية
الخميس 23-7-2009م
د. أكرم أحمد مكنا

لقد أطاحت الحربُ بنظريات عسكرية كثيرة كانت سائدة وجعلت بعض النظريات قيد الشك، فالقاعدة التي كانت تعتمد عليها

«إسرائيل» طيلة حروبها الماضية في المنطقة والمتمثلة في تفوَّق سلاحها الجوي وفي قواتها المدرعة التي تدخل أرضاً محروقة قد سقطت نهائياً في هذه الحرب، وأشار أحدُ الضباط الإسرائيليين إلى ذلك بالقول: لو وزعنا أسباب النصر بين أسبابٍ تكنولوجية ومعنوية فإنه يمكننا القولُ إنّ تأثير التكنولوجيا كان محدوداً جداً، «لقد قاتلنا عدونا بأسلحة حديثة واستخدمنا تقانات متطورة»، وكان سببُ الهزيمة لا يرجع للتقانات إنما لطبيعة قتال المقاومة والعقيدة القتالية لها، لأن المقاومة في لبنان كانت حالة تربوية متجذرة عند المقاومين ومجتمع المقاومة.‏

- إذ تحوَّلت المقاومة عندهم إلى قناعةٍ راسخة بوجوبها، وأولويتها على ما عداها، وضرورتها لحماية الأهل والوطن وقدرتها على أن تشكل بوابة الصمود أمام الرياح الدولية والعدوانية. وتحولت إلى حياة يومية يعيشونها من خلال متابعة أخبارها وإنجازاتها، وتربية الأسرة والمحيط على الارتباط بها، والعمل الدؤوب لحماية وجودها، وبناء منظومة العلاقات الوطنية على أساس تأييدها ونصرتها.‏

فالمقاومة كانت فعلاً تأصيلياً لأنها تعاطت معه كمشروع متكامل، لا يكفي معه السلاحُ للمواجهة، بل لا بدَّ من حشد كلِّ المقومات الثقافية والسياسية والإعلامية والتربوية والعسكرية.‏

من جانب آخر فإن الانتصار لم يكن صدفة لأنه لو أعادت «إسرائيل» الكرة لانتصرت المقاومة مرة أخرى لأنها اهتمت بالإنسان المقاوم، وبإعداده نفسياً وعلمياً، حيث تمكن المقاومون من خوض حرب تكنولوجية مع عدوهم، إذ استطاعوا اختراق الاتصالات العسكرية المشفرة للجيش والمخابرات وشبكات الهاتف الخلوي، وكان لافتا أن العشرات من شهداء المقاومة هم طلاب في كلية العلوم وأقسام الفيزياء والإلكترون والبرمجة، ما يعني أن قدراتهم لم تكن قتالية في السلاح فحسب وإنما استطاعوا امتلاك ناصية التكنولوجيا.‏

- أضف إلى ذلك أنهم درسوا طيلة عقد ونيف من الزمان طرق التخطيط والتفكير والتصرف والإعداد التي يعتمدها الإسرائيليون، وفهموا جيداً كيف تضع «إسرائيل» خططها وما حجم ردود أفعالها وتأثيرات الحرب على الداخل الإسرائيلي، وكيفية التعامل مع العدو خلال المعركة عسكرياً وسياسياً ونفسياً وإعلامياً.‏

- علاوة على ذلك فإن الحرب أدت إلى تداعي قوة الردع الإسرائيلية، حيث أكد تراجع الردع الإسرائيلي المتأتي من الفشل في لبنان أن القدرة الموجودة لدى «إسرائيل» هي ناتج مضخم أكبر بكثير من مكوناته الحقيقية، ما يعني نجاعة خيار المقاومة وقدرته على الاستنهاض في مواجهة «إسرائيل»، الأمر الذي أعاد ثقة الشارع العربي بقوته الكامنة، فإذا كان حزبُ الله كقوة عسكرية محدودة قياساً على القدرة الهائلة التي يتمتع بها الجيش الإسرائيلي استطاع أن يخوض المواجهة غير المتكافئة، ويمنع «إسرائيل» من تحقيق أهدافها، فكيف الحال إذا ما قامت الجيوش العربية وفعلت قدراتها ضد «إسرائيل»؟.‏

- كذلك أسس الفشل الإسرائيلي أيضاً على توكيد اتجاه سياسي وأمني عربي يقوم على مفهوم المقاومة وقدراتها، بعد أن كاد العالم العربي يتحول إلى الاستكانة والاستسلام للمشروع الصهيوني، مع وجود حلفاء ومروجين لإسرائيل من داخل المجموعة العربية الحاكمة.‏

وأهم انعكاس لتراجع الردع الإسرائيلي عربياً أنه ساهم في إعادة تصحيح صورة الإسرائيلي في العقل والذاكرة العربية التي كانت تنحفر فيه صورة الهزيمة وقصور اليد أمام «إسرائيل» الدولة التي لا تهزم والقادرة على فرض إرادتها بالقوة.‏

ويبقى أن أهم تداعيات الفشل الإسرائيلي في لبنان أنه جسد بشكل ملموس حدود قوة «إسرائيل»، سواء في نظرة «إسرائيل» إلى نفسها أم في نظرة أعدائها لها، ما انعكس تراجعاً في ثقة الإسرائيليين بقدراتهم وتزايد ثقة خصومها بقدراتهم، وهو المرادف الآخر لتراجع قدرة الردع الإسرائيلية.‏

- جسدت الحرب انقلاباً في المفاهيم، وأثبتت خطأ الطروحات الإسرائيلية التي تفترض أن العرب لا يحاربون «إسرائيل» خوفاً من قدراتها الرادعة، بعد أن سقطت هذه الفرضية على أرض الواقع مع حزب الله، الذي أثبت أن العرب كانوا واهمين بحجم قدرة «إسرائيل»، وأن خسارتهم للحروب معها ناتجة من فقدانهم للإرادة السياسية في ميدان القتال.‏

- كما أن تراجع قدرة الردع الإسرائيلية بعد الحرب الأخيرة على لبنان كان له تداعياتهُ الخاصة على النظرة الخارجية «لإسرائيل»، وتحديداً نظرة الولايات المتحدة الأميركية باعتبارها الدولة العظمى الراعية لها، لطالما لعبت «إسرائيل» دوراً وظيفياً في المنطقة لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية، إذ استغلت الإدارات الأميركية المتعاقبة الردعية الإسرائيلية لتحقيق أهدافها في المنطقة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية