وتعهدت مجموعة الثماني خلال اجتماعها مع دول ناشئة وأخرى إفريقية هي الجزائر وأنغولا ومصر وأثيوبيا وليبيا ونيجيريا والسنغال وجنوب إفريقيا برصد 20 مليار دولار ل 14.3 مليار يورو على مدى ثلاث سنوات لمكافحة الجوع في العالم في تعهد سمي «مبادرة لاكويلا حول الأمن الغذائي» ووافقت مجموعة الثماني على مبادىء بشأن «الاستثمار الزراعي الدولي»، كما أعلنت تعزيز شراكتها لتحسين فرص الحصول على المياه في القارة السمراء مجددة تعهدها برفع المساعدة العامة للتنمية لمصلحة إفريقيا وزيادة هذه المساعدة.
وليست هذه المرة الأولى التي تقر فيها قمة مجموعة الثماني مساعدات لإفريقيا، ففي جلين ايغلز باسكتلندا التي عقدت في سنة 2005 اعتبر رئيس وزراء بريطانيا السابق طوني بلير أن قمة الثماني حققت تقدماً حقيقياً وملموساً في مجال مكافحة الفقر ولا سيما في إفريقيا.
وعدد بلير باقتضاب الإجراءات التي اتخذتها مجموعة الدول الصناعية الثماني «رفع المساعدة بمقدار 50 مليار دولار واتفاق جديد حول التجارة وإلغاء ديون الدول الأكثر فقراً والوصول العالمي إلى علاج ضد الايدز».
وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما دافع شخصياً أمام زملائه في قمة مجموعة الثماني عن زيادة حصة المساعدة لإفريقيا، حيث كان المبلغ المخصص في البداية لا يتجاوز 15 مليار دولار وطالب أوباما الزعماء الأفارقة بتحسين أدائهم، ورأى أن أحد أسباب تعطل التقدم في إفريقيا كان اختلاق الأعذار للفساد وسوء الحكم طوال سنوات، وقال: «لن تحصلوا على استثمارات من دون حكم رشيد، إذا كان المسؤولون الحكوميون يطلبون 10 أو 15 أو 25 في المئة من الصفقة لن تريد الشركات الاستثمار هناك.
كما تطرق أوباما إلى زيادة عملية الإفقار المطلق في إفريقيا وذكر أنه قبل خمسين سنة عندما هاجر أبوه من كينيا إلى الولايات المتحدة الأميركية بهدف الدراسة في جامعة هارفارد كان الناتج المحلي الاجمالي للفرد في كينيا أعلى مما هو عليه في كوريا الجنوبية، ومن دون التقليل من عامل الإرث الكولونيالي التي تعاني منه معظم البلدان الإفريقية والسياسات الذي طبقتها البلدان الغربية الغنية تجاه إفريقيا، قال الرئيس أوباما إنه من خلال عمل كوريا الجنوبية مع القطاع الخاص والمجتمع المدني نجحت في إرساء مؤسسات كانت الضمانة الحقيقية للشفافية وللمسؤولية، بينما حين يتعلق الأمر بمعظم البلدان الإفريقية فلكي تحصل على وظيفة أو تبادر إلى القيام بمشروع استثماري فيجب على المرء أن يدفع رشوة.
وانتقد أوباما الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان الشائعة في إفريقيا محذراً من أن النمو والتنمية سيتأخران مالم يتم التصدي لهذه المشكلات، وقال: لن يمكن دولة أن تكوّن ثروة إذا استغل زعماؤها الاقتصاد لإثراء أنفسهم أو إذا أمكن شراء ذمم رجال الشرطة من قبل مهربي المخدرات، لن ترغب أي جهة أعمال في الاستثمار في مكان تقتطع فيه الحكومة 20 في المئة منه.
لقد أشاد الرئيس الأميركي أوباما الذي تجري دماء إفريقيا في عروقه بالقارة السوداء أرض أجداده مؤكداً أنها جزء من العالم، وأن الولايات المتحدة مستعدة لتكون صديقة وشريكة للقارة الإفريقية، داعياً دولها إلى حل نزاعاتها بطرق سلمية ورفض الديكتاتورية والفساد وتحقيق الديمقراطية والحكم الرشيد.
كان هذا هو مضمون الخطاب السياسي الذي يمزج بين النزعة الأخلاقية والنزعة الواقعية والذي بعث به أوباما إلى إفريقيا من خلال زيارته الأخيرة لغانا البلد الإفريقي الذي يتمتع بالاستقرار والديمقراطية لاعتقاده أنه يمكن أن يكون نموذجاً لباقي البلدان الإفريقية.
في برلمان أكرا عاصمة غانا قال الرئيس الأميركي أوباما إن التنمية تعتمد على الحكم الرشيد مضيفاً: هذا هو العنصر المفقود في أماكن كثيرة للغاية ومنذ وقت طويل للغاية، هذا هو التغيير الذي يمكن أن يطلق طاقات إفريقيا وهذه المسؤولية لا يمكن أن يفي بها سوى الأفارقة أنفسهم.
وتعيش إفريقيا الآن سلسلة من الأزمات هي ذات طبيعة مختلفة عن تلك التي عصفت بالدول الإفريقية في السنوات التي أعقبت الاستقلالات، فنضالات الحرب الباردة الايديولوجية أعقبتها حالة من اللا استقرار المزدوج وذلك بفعل الالتحاق بحماسة بالعولمة الاقتصادية من جهة ومن جهة أخرى بسبب ارتجال الديمقراطية في دول تفتقر إلى الوسائل، وقد أفضت هاتان الظاهرتان إلى نزع الشرعية عن حركات البناء الوطني الناشئة وإلى تحويل سيادة هذه الدول مجرد وهم.
وكان الإطار الاقتصادي الجماعي الليبرالي المتفلت الجديد وأعمال الخصخصة المتوحشة وبرامج الإصلاح البنيوي المتفككة المتسارعة والبرامج الاجتماعية المقنعة واستغلال اليد العاملة بشكل وقح وأسعار المواد الأولية الزهيدة والاحتيال والإجراءات التجارية التي لا مصلحة للبلدان الإفريقية فيها إلخ..والتدخلات الوحشية من الشركات الغربية المتعددة الجنسية ومن المصارف الشرقية النافذة وانفجار أزمة الديون وانعدام الثقافة العامة بشكل مخيب لدى العديد من الزعماء السياسيين في القارة السوداء وما ينتج منه من عدم الرؤية (حتى على المدى المنظور) وفساد الموظفين صغاراً وكباراً وتهريب الأسلحة إلخ.. الكثير من العيوب التي أفضت إلى انهيار قارة هي أساساً في حالة من الضعف الشديد.
فكل المؤشرات الاقتصادية العامة منها والاجتماعية والصحية تراجعت فجأة ابتداء من ثمانينات القرن الماضي قاضية على الطبقة الوسطى ومثيرة حالات عميقة من التوتر الاجتماعي.
فقد غرقت إفريقيا في الفقر، إذ إن كل ناتج محلي اجمالي فيها قد ضرب والنمو الذي وعدت به الدول المانحة لم يتحقق، لا بل إنه تراجع من 3.5 في المئة كمعدل وسطي في العام 1975 إلى 2 في المئة في العام 2000، أما برنامج الأمم المتحدة للتنمية PNUD فإنه يشير إلى تقهقر لا سابق له في مؤشرات التنمية البشرية.