ماذا عن سيادة الدول التي تحاول السياسات أن تستبيحها؟.. كتاب «سيادة الدول بين تسييس القانون و قوننة السياسة» لمؤلفه الدكتور حسين علي والصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب يسلط الضوء على هذا الموضوع الهام.
- لماذا الحرب على الدولة؟!
في مقدمته يشير المؤلف علي إلى انه في ظل عولمة غير مضبوطة و محليات صاعدة وأقليات ذات نزعة انفصالية و شركات لا حدود لطموحها المالي و السياسي و منظمات دولية تحاول أن تصبح كيانات فوق قومية ومنظمات غير حكومية لايختلف معظمها عن المنظمات السرية و الأجهزة الاستخباراتية و في عالم تغلبت فيه الرقمية على التاريخ و الجغرافية و تسطحت فيه الثقافة فأصبح جمهوره جاهلاً و نخبته انتهازية، و لم يعد من الممكن التمييز بين الصراعات حول القيم والمبادىء وبين الصراعات من أجل الثروة والسلطة، وفي عصر تم فيه تقزيم الدين إلى طقوس وثنية و تقزيم الديمقراطية إلى طقوس علمانية «بيعت فيها السلطة الرابعة بالمزاد العلني» وتحولت إلى سلطة تمارس الاستبداد اللطيف و تساهم في صنع الإنسان ذي البعد الواحد، كما تنبأبه ماركوس و تروج لصناعةالخوف التي أصبحت أقصر الطرق لتحقيق مكاسب سياسية و اقتصادية في مراكز اتخاذ القرار العالمية.
في هذه الظروف الاستثنائية تاريخياً أعلنت الحرب على الدولة التي هي حسب رأي شيشرون ثروة الشعب أو هي مصلحة الناس المشتركة، و حسب هيغر هي الحرية وحسب انطون سعادة هي شأن ثقافي بحت.
أما المؤلف فيرى أن الدولة هي الكائن الحي الوحيد الذي لم يخلقه الله مجيباً على سؤال يطرحه: هل انتهت الدولة ، الأمة؟ نهاية الدولة يعني فقدان السلطة السياسية لسيطرتها على اقليمها ورعاياها و برأيه أن مدى قدرة الدولة على ممارسة سيادتها يتوقف على عوامل عديدة داخلية و خارجية أهمها: درجة قوة الدولة داخلياً و بشكل خاص أمام مجموعات الضغط وخارجياً أي بالنسبة للدول الاخرى و المنظمات الدولية و الشركات العالمية وكذلك مدى رغبة الدولة في فرض سيطرتها في ميادين سيادية و التي تحددها الجدوى السياسية و الاقتصادية والاجتماعية لهذه السيطرة.
فصول الكتاب
يقع الكتاب في 286 صفحة من القطع الكبير و يتوزع على عدة فصول / الدولة والسيادة في الفكر السياسي يعرض فيه المؤلف للفكر السياسي الخاص بالدولة مع تقسيم تاريخ تطور هذا الفكر إلى ثلاث مراحل: الاولى تبدأ مع ارسطو والثانية مع الدولة الوستيفالية و الثالثة مع عصبة الامم و تستمر حتى يومنا هذا وذلك لتسليط الضوء على أهم المحطات الفكرية و النظريات السياسية التي تخدم معالجة موضوع السيادة.
وفي الفصل الثاني يتحدث عن السيادة وموقعها في القانون الدولي العام حيث يعالج تطور مفهوم السيادة في القانون الدولي العام والمشاكل المرتبطة بممارسة هذه السيادة خلال مرحلتي عصبة الامم و الامم المتحدة.
وفي الفصل الثالث عرض لموضوع التدخل لأغراض الحماية الإنسانية حيث بدأ بعرض مبادىء القانون الدولي الإنساني و الشرعية الدولية لحقوق الإنسان ثم حلل وجهات النظر المتعلقة بموضوع التدخل الإنساني و بعض التقارير التي رعتها الأمم المتحدة حول هذا الشأن.
في حين خصص الفصل الرابع لدراسة آثار العولمة على سيادة الدولة و بيان الآراء المختلفة إزاء هذه الآثار و بشكل خاص عقدة الاعتماد المتبادل والسيادة الاقتصادية ودور المنظمات الدولية ذات الطابع الاقتصادي و كذلك الشركات العالمية والمنظمات غير الحكومية.
أما الفصل الخامس فخصصه المؤلف لدراسة الدور الجديد لوسائل الإعلام وكيف بدأت تشكل تهديداً حقيقياً لسيادة الدول و للديمقراطية.
في الفصل السادس سلط الضوء على نقاط الضعف التي بدأت تعاني منها الديمقراطية التمثيلية و الدور السلبي الذي بدأت تلعبه الاحزاب السياسية مع تقديم بعض الأفكار التي من شأنها المساهمة في معالجة نقاط الضعف هذه.
وفي الفصل السابع و الأخير يتحدث المؤلف عن مستقبل الدولة والاستراتيجيات التي يمكن أن تتبعها للمحافظة على كيانها و على سيادتها.
يتزامن نشر هذا الكتاب مع تحقيق واحد من أهم الانتصارات السيادية في القرن الواحد و العشرين ألا و هو نجاح سورية في مقاومة الضغوط الهائلة التي مورست عليها خلال السنوات الماضية و التي كانت تهدف إلى إرغامها على السير في طريق يتناقض مع مبادئها و مصالحها و بالتالي مع سيادتها. إن هذا الانتصار يبرهن على ان الدول حتى الصغيرة في حجمها و إمكانياتها يمكن أن تحافظ على سيادتها بالحنكة السياسية و بخلق عوامل قوة جديدة يمكن استخدامها لمواجهة عوامل القوة التقليدية.
سيادة الدولة
حول هذا الموضوع يشير المؤلف ان هناك محاولات جادة لإعادة تعريف السيادة و حدودها وطبيعتها. هذا ما طالب به الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالي «إن العقيدة التي تعود إلى قرون والخاصة بالسيادة المطلقة و الحصرية قد ولت، وفي الواقع فهي لم تكن أبداً مطلقة كما تم تصويرها نظرياً، إن من أهم المتطلبات الفكرية في عصرنا هو إعادة التفكير بمسألة السيادة.
وبالنتيجة أصبح احترام سيادة الدولة مرهوناً باحترام هذه الدولة لحقوق مواطنيها و للقانون الدولي: إن الحدود الدقيقة لسيادة الدولة هي وهمية، إذا كانت السيادة تعني أن الحكومة الوطنية ترسم السياسة في مجالها الوطني، فإن المعايير الدولية المتنامية تقضي أن ذلك يبقى صحيحاً فقط عندما تحترم الحكومة الوطنية القانون الدولي.
ويخلص المؤلف إلى القول ان القانون الدولي بفروعه الثلاثة لا يسمح لأي دولة بالتدخل العسكري في دولة اخرى بحجة الأغراض الإنسانية دون الحصول على الموافقة المسبقة من مجلس الأمن، بدون ذلك يعتبر هكذا تدخل خرقاً للمادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التي تحرم استخدام القوة و حتى التهديد باستخدامها في علاقتها الدولية إلا في حالة الدفاع عن النفس ضد هجوم عسكري أو في حالة استخدام القوة في إطار الفصل السابع في الميثاق كما أن ممارسة محكمة العدل الدولية تدعم هذا الاستنتاج بتأكيد على تحريم استخدام القوة العسكرية مهما كانت الأسباب و بالتالي فهي رفضت عقيدة التدخل لأغراض إنسانية بدون موافقة مجلس الأمن.
يمن سليمان عباس
الكتاب: سيادة الدول بين تسييس القانون وقوننة السياسة - المؤلف: د. حسين علي - الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب