تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


(ليلي الداخلي) مسرحية تفتح دفتر الأوجاع

ثقافة
الأربعاء 13-3-2013
لميس علي

بنظرة سريعة.. خارجية..

ربما لن نتمكّن من تلمّس عمق الحالة المبتغاة و المرتجاة فهماً صريحاً أو تلميحاً مما يعرضه علينا الصحفي و الشاعر سامر محمد إسماعيل..‏

الذي يقف اليوم مخرجاً لنص الروائي غابرييل غارسيا ماركيز (خطبة لاذعة ضد رجل جالس ).. و معدّاً ذاك الإعداد المطواع ليناسب الحالة المحلية.‏

هل كنا أمام مونودراما أجادت بتقديمها الممثلة (روبين عيسى ).. مونودراما فردية شديدة الخصوصية.. أم نحن في (ليلي داخلي )أمام نوع آخر من المونودراما ينفلش و يتشعّب ليغدو مونودراما (جماعية ).. و ما صوت (روبين، وداد )سوى صوت فردي ظاهرياً.. ينوب مناب عمق وجع جماعي يمتد على مساحة وطن..‏

و بالتالي نحن أمام حالة (ترميز )مشغولة بعناية.. لاسيما حين نتقن فكّها و إعادة تركيبها و مفصلتها من جديد على وضع بلد بأكمله..‏

الأنثى فيه ليست سوى رمز لكل ما هو حقيقي إنساني شفاف يبتغي الحب و الصدق و الأمان.. و الحديث لا يعني انحيازاً للمرأة.. فهي تمثل نموذجاً إنسانياً لا أكثر.‏

و الزوج (أدّى الدور بسام البدر ).. يمثل وفقاً لتوصيفها كل ما هو وصولي.. متسلّق.. انتهازي.. راكب لأمواج السياسة.. مثقف و رجل أعمال.. يساري و بورجوازي.. محاضر في الجامعات و نجم إعلامي بين المحطات.. إنه تركيبة عجيبة غريبة ينخرها سوس الخيانة و اللاانتماء.‏

و على حين غفلة من الزوجة كان أن نفد هذا السوس إلى عمق حياتها فدمّر أساساتها و ظهر على هيئة مرض ابنها و خراب بيت الزوجية.‏

اعتماداً.. على رمزية المقصد فخيانة الزوج، بتعميمها، تغدو خيانة لأرض و لوطن.. ما الزوج فيها سوى نموذج لزمرة (متعمشقي )جسور الوصول إلى المال و المناصب البرّاقة.. المارقين في دهاليز الصفقات المشبوهة وتبييض الأموال.. السالكين أقبية النفاق الاجتماعي و الإنساني و السياسي.‏

هكذا تنفتح مسارب (ليلي داخلي )متحوّلاً ليلاً طويلاً ليس خاصاً أو فردياً.. و ليس داخلياً.. إنما خارجي عام شامل.. تنسحب ذيوله لتطغى على ليالي مدينة.. على ليالي بلد بحالها.‏

ليل (إسماعيل )ينفتح واسعاً على أوجاع دمشقنا.. على أوجاع سوريتنا.. ليل فيه الكثير من عتمة الخيانة و ظُلامية السمسرة بالأوطان.‏

على خجل و حياء يبوح العرض بإسقاطات كان لابد من إيجادها.. لدى سحبه من خطبته المعلنة و إدخاله في سياق اللحظة الراهنة المعاشة..‏

إذاً.. هل تراها مرّت صورة تمثال أبي العلاء المعري (منزوع الرأس )التي عُرضت في الشاشة.. دون أي قصدية أو غاية..‏

أليس عرضها مليئاً بعشرات الإشارات و الغايات.. أليس معبّراً و ناطقاً و يُحيل بشكل أو بآخر إلى ظُلامية ممارَسة من قبل خونة الفكر و الإنسانية..؟‏

على هذا.. يتحرّر (ليلي داخلي )من انغلاقه على أوجاع أنثى تقدّم خطبتها اللاذعة ضد رجل.. يتحرّر من نسويته (الظاهرة).. من كونه أحادي المقصد.. يتخلّص من حجزه في زاوية رؤية واحدة و تفسير وحيد.‏

هل كانت الخاتمة الغنائية بصوت سناء موسى (يا نجمة الصبح فوق الشام عليتي.. )إلا تأكيداً على رمزية العرض و عمق مقصده أكثر من ظاهريته.. ؟‏

القيمة الأكيدة و المضافة في اختيار هذه الأغنية أنها كانت بمطلع (نجمة الصبح ).. إيماءة مبطنة إلى وجوب طلوع الصبح بعد كل ليل.‏

بعيداً عن كل ذلك.. بعيداً عن عمق المقصد.. يغدو العرض مجرد مرثية زوجة تبكي قديم حبّها و حلو أيامها مع زوج خُدعت به.. مثّل عليها الأخلاق و القيم النبيلة لتنكشف الأمور، نهايةً، على حقيقته الزائفة المخادعة.‏

في العرض ثمة الكثير من بكائيات.. صراخات.. استجداءات.. تلاوين عاطفية.. حيرة إنسانية.. ضياع.. كره.. حب.. نفور.. قبول.. هيستيريا من الوجع الناطق و كلّها عبّرت عنها (روبين عيسى ) بأداء جسدي يتفجّر على الخشبة.‏

و هنا.. يلعب المخرج على ضديّة (الأداء )..‏

فنحن أمام كتلتين جسديتين.. الأولى كتيمة صامتة (الزوج ).. و الأخرى تتفجّر حركةً.. صراخاً.. و تعبيراً (الزوجة )..‏

الأولى تصدّ الفعل.. و ربما تمتصّه.. و الأخرى تُعيد إطلاقه و إرساله مراراً و تكراراً في وجه ذاك الحائط البشري الذي كلّما زاد صمتاً زادت قوة فعل الطرف الآخر.. و من هنا تبدو أهمية وجوده (فيزيولوجياً ) على الخشبة.. هو (فاعل ) و فعله (الصمت ) المؤثر و المحرّك.‏

أيضاً هناك ضدية أخرى وُظّفت بصرياً عبر الديكور الذي كان رمادياً في ركن الزوج دلالةً على طباعه الشخصية الرمادية.. و أبيض في ركن الزوجة دلالةً على وضوحها و صدقها.‏

إضافةً إلى استخدام شاشة عرض زُرعت في عمق الخشبة.. وسيلةً لتمرير حالة بصرية (انترنت، فوتوغراف )تدعم السياق الكلامي و مونولوجات الزوجة. كما وُظفت لتوليف مادة سينمائية تزاوجت و تمازجت مع أغنية (نجمة الصبح )فكانت مشهدية مناسبة لها.‏

في (ليلي داخلي ).. لم يكن ليلنا داخلياً.. بل مسرحياً بامتياز.. وسط زحمة بشرية غطت صالة مسرح القباني و ملأتها .. و كما لو أننا نعبّ نفَساً منتعشاً و منتشياً بروح الطقس المسرحي الذي أعاده العرض لأروقة مدينتا بعد طول انتظار.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية