تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الحرب على الوجود.. تاريخ يتجدد ونزعة استعمارية ثابتة

شؤون سياسية
الأربعاء 13-3-2013
بقلم: د. أحمد الحاج علي

واكبنا حتى هذه اللحظة وقائع سنوات الجمر في سورية وفي سياق واحد اكتوينا بالنار والكثير منا دخل في منطقة الذهول حيث الفجوة عميقة ونوعية بين ما يحدث من إجرام وإرهاب

وبين الادعاءات والذرائع المطروحة من قبل القوى الهمجية التي تبرر سفك الدم وإبادة الحضارة،‏

ونستطيع هنا أن نلتقط بكثير من الراحة والوضوح أربع كتل تتوطد عليها الأزمة وتدفع بها إلى لحظة الذهول والاستغراب، والمعروف عقلياً وتاريخياً أنه ما من حدث متفجر إلاّ ويحتاج إلى المبرر لقيامه والقوى المتبنية له والأهداف التي يتحرك نحوها ومجمل هذه العناصر تدل على أن مساراً فاجعاً هو الذي يتحكم بالمشاعر ومستويات الوعي.‏

والمعادلة هنا عبر الحدث متناقضة ومخترقة ومتداعية، إذ كيف يمكن أن نجد منطقاً ولو بالحد الأدنى أو مبرراً ولو كان باهتاً لهذا الاستنفار الإرهابي من الداخل ومن الخارج وإطلاقه على وطن مثل سورية له بنيته الحضارية والتاريخية وفيه نسبة من الخلل والخطأ والزلل هي الموجودة في أقوى بلدان العالم وأكثرها تطوراً والفرق نوعي وكبير بين منطلق سياسي يبحث عن سد الثغرات وتصحيح المسار وتعميق سد الحاجات للجماهير وهذا له أصوله، وكل سوري ما زال يتمنى أن يكون هناك حراك سياسي واجتماعي يلبي حاجة التصحيح وحاجة الفاعلية والتطوير، وبين توجه كامل متكامل نحو تدمير هذا الوطن بطريقة قتل الإنسان وتدمير مواقع الإنتاج وتعطيل مسيرة الحياة والاستعانة من أجل ذلك بالأجنبي المستعمر مثل تركيا وفرنسا وبريطانيا وبالقوة الغاشمة التي يعاني العالم كله منها مثل الولايات المتحدة الأميركية، وسلالات من أصول مبهمة في الجزيرة العربية والخليج أعماها الحقد وأغراها فائض المال لكي تدخل في هوس الأدوار الكبرى والسيطرة على الوطن العربي.‏

وكيف يمكن لنا أن نطرح في التداول هذا المدى من السقوط الرخص وقد استبد بحكام مصر والمشهد حتى الأمس مأساوي فهناك مصري برتبة أمين عام للجامعة العربية، وهناك مصري برتبة وزير خارجية للقاهرة والمكان هو الجامعة العربية التي أسستها سورية قبل غيرها ودون غيرها مع دول هي بعدد أصابع اليد الواحدة، ويتدافع من كل هذه الحيثيات بشر بعضهم من الأرض السورية وبعضهم وافد على جناح الغيوم السود إلى سورية وجميعهم يعتنق الموت والإرهاب وجميعهم يؤمن بأن كل قتل في سورية هو خطوة نحو الجنة حيث الحوريات وأنهار العسل واللبن والخمر، لعلني في هذا السياق أطرح وصف المفارقة الكبرى عبر توصيف وتحليل الحدث السوري وما من سبيل سوى تبني فكرة المفارقات الكبرى من حيث الظاهر والموجبات الكبرى من حيث العمق والجوهر، والعلم والمنهجية كلاهما يقولان بقانونين حيويين هما الأصل في استيعاب الأحداث وتحليلها واستكناه منطقها.‏

أما الأول من القانونين فهو الذي ينص على أن ما من شيء يصدر من الفراغ ويصب في الفراغ وقانون كهذا يسعفنا في أن نصحو على ذاتنا ونسترد ذاكرتنا والقانون الثاني يقول بأنه لاتوجد مفاجأة في حياة البشر ولكن البشر أنفسهم حينما يغيبون عن قاعدة الواقع وعن خط الأحداث يقعون في المفاجأة لنقص فيهم وليس لتفاعلات متقلبة هي بالأصل من صناعة البشر ومن صياغة البشر. وأعود لفكرة الكتل الأربع كما حددتها في المقدمة وهي الأساس والمنهج والسلّم الفكري في معايشة الحدث السوري والتفاعل معه بطريقة توصيف الوقائع المادية والدخول إلى عمق الجريمة الإرهابية التي تحدث على سورية الآن، أما الكتلة الأولى فهي التاريخ بكل ما تحقق فيه وبكل الأبعاد التي حملها في سياقها الزمني وهو يطلقها الآن عبر نسخة جديدة مازال الاستعمار يعيد إنتاجها ويتحكم في ثوابتها، وهذا التاريخ يأخذنا بشدة لنستذكر بحرارة متوهجة أن الحقد الاستعماري قديم على هذه الأمة وما يحدث الآن هو موجة همجية بمواصفات العصر لتدمير سورية كما كانت تاريخياً وكما يحدث الآن، نستطيع أن نورد هذا الشاهد التاريخي فقد كتب كامبل بانرمان وهو رئيس وزراء بريطانيا المستعمرة في العام 1902، كتب يقول( إن هناك قوماً يسيطرون على أرض واسعة تزخر بالخيرات الظاهرة والمغمورة وتسيطر على ملتقى طرق العالم، وهي موطن الحضارات الإنسانية والأديان، ويجمع هؤلاء القوم ديانة واحدة ولغة وتاريخ واحد وآمال واحدة، وليس هناك أي حاجز طبيعي يعزل القوم عن الاتصال ببعضهم ولو حدث واتحدت الأمة هناك في دولة واحدة في يوم من الأيام لتحكمت في مصير العالم ولعزلت أوروبا عن هذا العالم) هذا منطق تاريخي بأجزاء عضوية وليس تراثاً عفى عليه الزمن بشتات من النسيان والغثيان والانقطاع عن حقائق الحدث الكبير، وكان من مستلزمات هذه النزعة التاريخية أن يكون الحقد على العرب والمسلمين هو أساس أيديولوجي عند قوى الاستعمار الغربي وهو منطلق وسلوك متجسد ولا مواربة في هذا التقويم فالغرب الاستعماري (المتحضر) هو الذي يندفع ويتدافع نحو سورية بأدوات العصر ونماذج الإرهاب والتكفير الإسلاماوي، وكان من موجبات هذا المنطق التاريخي للغرب أن يزرع الكيان الإسرائيلي في قلب الوطن العربي.‏

وكان من موجبات هذا التدفق الشائن أن تستحدث من داخل العرب والمسلمين تيارات فكرية كالإخوان المسلمين وتفرعاتهم وقوى إرهابية تعتقد أن قتل هذا الوطن واجب ديني مأجور في الآخرة على شكل حوريات وفي الدنيا على شكل دولارات، وفي عمق هذا الأفق التاريخي استحدث الغرب والصهيونية معاً نمطاً استهلاكياً لمستوى الفكر وحاجات البشر العضوية، تقول بروتوكلات حكماء صهيون في الجزء الثالث عشر منها( لكي تبقى الجماهير في ضلال لا تدري ما وراءها وما أمامها وما يراد منها فإننا سنعمل على زيادة صرف أذهانها بإنشاء وسائل المباهج وبإطلاق شهوة الإكثار من الملذات والقصور) أعتقد أن كتلة التاريخ قد أخذت منا هذا الحيز وسنعالج في مقالات قادمة الكتل الثلاث المتبقية،لنتذكر موقع سورية موقفها من هذا الأمر.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية