تحت عناوين متعددة هناك لبناني ما يتحضر للضغط على الزناد من بندقية لا تعرف بعد هدفها، ولا تعرف وجه القتيل الذي سوف تحصد حياته، فالمطلوب هو اختبار جديد لمهارة اللبنانيين في الاحتراب الداخلي، والمطلوب ترجيح ميزان قوة على آخر في تصادم مشروعين متناقضين يتصارعان اليوم على معظم الخريطة العربية قبل ربيع الدم العربي وبعده، ولهذا التصادم في لبنان طعم آخر ومسار آخر ونتائج كارثية أخرى، فلبنان مختبر تراجع أو تقدم الاستراتيجيات الكبرى الإقليمية منها والدولية، وهو مؤشر الخسارة أو الربح في المشروع المقاوم ونقيضه المتمثل بمشروع الهيمنة القادم من تحالف الرؤوس الحامية الممتد من قبعات الجنرالات الصهاينة إلى دوائر البنتاغون في واشنطن مروراً بمحميات النفط العربية التي تخوض معركة عمرها ضد كل مقومات النهضة في الأمة، وكل عناصر الممانعة والمقاومة في الشرق العربي خصوصاً، وفي عموم المنطقة، معركة كسر عظم يتوقف على نتيجتها مصير العرب وشكل الإقليم المجاور وطبيعة النظام الدولي الجديد.
بعض اللبنانيين يرجعون مناخ التوتر والاحتقان في بلدهم، إلى تداعيات الحرب على سورية، وبعضهم يرجعه
إلى استنفار الأصابع الصهيونية والخليجية والرعاة الكبار في الغرب الأوروبي والأمريكي، وتغلغلها في النسيج اللبناني لتوسيع الشقوق التي لا يمكن ملؤها إلا بالبارود، والعاملان صحيحان ومتكاملان، فلهيب الحرب على سورية صار عابراً للحدود، لأن أدوات هذه الحرب وسلاحها ومالها كان من الأيام الأولى عابراً للحدود، ولبنان الجار والشقيق الأصغر تحول بمرور الوقت إلى ممر ومقر لهذه الأدوات تحت سمع وبصر بعض طاقمه الرسمي، ففي شماله وشرقه انتعشت البيئات الحاضنة للقطعان الظلامية المحلية والوافدة، لقتال السوريين على أرضهم وتدمير دولتهم، وعلى سواحله أفرغت شحنات السلاح الفتاك، القادمة من كل الجهات في رحلة العبور إلى سورية، وفي مثل هذا المناخ المثالي لأعداء المقاومة تخرج الأفاعي من جحورها في الغابة اللبنانية لتستدرج المقاومة وحاضنتها الوطنية إلى مبارزة طائشة في مكان لا تريده ووقت لم يقع اختيارها عليه، الأمر الذي يشجع جنرالات تل أبيب على المغامرة والدخول في حرب تصفية الحساب، مع من أذلهم وكسر هيبتهم ودفن حلمهم التوسعي تحت صخور الجنوب اللبناني ذات صيف ملتهب منذ قرابة سبع سنين.
لبنان الممر والمقر إذاً للانقضاض على سورية، يعبث بجوهر التاريخ، ويغمض عينه على حقائق الجغرافيا، ويغسل يديه من ميثاق عمره بعمر الاستقلال كان يعصمه من خطيئة العبث بأمن سورية، ويجنبه الوقوع في فخ الاستثمار في المحنة السورية، فمن في لبنان تغلب على خوفه وقرر المقامرة بروابط التاريخ ومنازلة السوريين على ترابهم، ومن في لبنان ينتظر المقاومة على مفرق هذا الطريق ليغرس رمحه في ظهرها، ويكشفها أمام جنرالات تل أبيب، ولأننا نعرف هذا اللبناني ونعرف أزلامه ورعاته، فالمسؤولية تدعونا لتحذيره من عواقب الحسابات الخاطئة، فهذه سورية، وهذه المقاومة أيها الغافلون.