وأبدعَ النّصرُ في فيحائِكَ العَجَبا
وأذهلَ الدّهرَ مجدٌ رحتَ تكتبهُ
فوقَ المجرةِ يحكي السّبعةَ الشّهبا
مِن جانبِ الطّور راحَ البدرُ يعلنها
هذي دمشقٌ تبدّى صمتها غضبا
وحيّت الشّمسُ مِن أبراجها أسداً
لهُ القوافي اشرأبّت وانتشتْ طربا
وأطرقَ النّجمُ إجلالاً لملحمةٍ
تزكي الضّياءَ وتجلو الغاسقَ الوقبا
فأيقظَ الحرفَ مِن أجواءِ سكرتهِ
حبرٌ تفجّرَ في قرطاسهِ لهبا
وراحُ ينقشُ للأجيال نسبتها
أعظمْ بمن «لشآمِ العُربِ» قد نُسِبا
••
قمْ ناجِ «جلّقَ» ناجيها على خفرٍ
يا القلبُ أنتِ تعالي نمزق الحجبا
وقلْ «لشوقي» أمير الشّعرِ إنّ لنا
مِن «حافظ العُربِ» مجداً يزدهي قببا
ويا نديمي تعالَ اليومَ نُسمِعها
أقاصيَ الكونِ لا خوفاً ولا رهبَا
دمشقُ عاصمةُ الأمجادِ قاطبةً
وإن شككتَ فسارع واسأل الحقبا
ونهرُها النّهرُ ساقي القوم مِن سغبٍ
ليُمرعَ الخصب لا غلاً ولا سغبا
••
ويا دمشقُ تباريحي غدت حلماً
يستقرئُ النّصرَ يشحذ دونهُ القُضُبا
وها أنا اليومَ والأوهامُ تمضغني
وتعصرُ الفكرَ كيما يبدع الأدبا
تفتّقَ الشّعرُ عن أنداء قافيةٍ
غرّاء تغزلُ في أعطافها الذّهبا
وجاءني الصّوتُ هدّاراً بملحمةٍ
يستمطرُ البحرُ في عليائها السّحبا
قمْ زلزل اليأسَ قالَ الشّعرُ: مُحتدِماً
قمْ مزّق الوهمَ لا تترك سببا
قمْ نادمِ المجدَ كأساً وانتخي كبراً
فالمجدُ إلاّ لعينِ الليثِ ما كُتِبا
والنّصرُ إلا بساح الشّام ما عُقِدت
راياتهُ البيض تجلو الهمّ والكربا
ورحتُ خمرة أحزاني أصارعها
فخمرةُ الحبّ تشفي السّقمَ والنّوبا
فخاطبتني عروسُ الشّعر قائلةً
وجلجلَ الصّوتُ في الآفاقِ واضطربا
حيّ الشّآمَ وحيّ معشراً كتبوا
لن نرفعَ السّيفَ حتى نبلغَ الأربا
حيّ الأسودَ أسودَ السّاحِ مَن سكبوا
مِن نزفِ أحمرهم ما يُخصِبُ الجدبا
••
يا سيّد القولِ معصوماً بحكمتهِ
لكَ القصائدُ شقّت صدرها قربا
ورافضَ الوهم والتضليلِ عن ثقةٍ
تبارك الله كمْ أعطى وكمْ وهبا؟
تكالبَ الغربُ والأعرابُ تتبعهُ
وأمطرونا على شاشاتهم لغبا
ويل الدّعاةِ الثّاملين غوىً
والسّافحينَ دماء القوم والعصبا
والقائلينَ بليثِ العُربِ ما نسجت
أوهامهم بدعَ الأقوالِ والكذبا
أمطرتهم لاهبات القول لاذعة
وقلتَ فيهم مقالاً يكشف الرّيبا
«صاحَ الغرابُ وصاحَ الشّيخُ فالتبست
مسالكُ الأمر أيّ منهم نعبا؟»
لا فُضّ فوكَ فأنصافُ الرّجالِ همُ
لا بل «وحقّكَ» أشباهٌ غدوا نُصُبا
••
يا حارسَ الكرمِ مِن ذئبٍ ترصّدهُ
وصالَ صولتهُ كي يسرقَ العنبا
أكبرتُ فيكَ سجايا جلّ خالقها
أيّ الفضائلِ لم تهتفْ إليكَ أبا؟
هذي شمائلكَ الغرّاء ما تركت
للشركِ والكفرِ لا قصداً ولا دأبا
شاركتُ «شوقي» أمير الشّعر حكمتهُ
«أعِدّت الرّاحةُ الكبرى لمن تعِبا»