تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


نمر سلمون وتجربة مسرح الجمهور الخلاق الرائدة

ملحق ثقافي
2012/6/12
عبد الناصر حسو:المتفرج ركن أساس لأي تجربة مسرحية، ولم يعد هذا المتفرج سلبياً كما في النظريات القديمة، لذلك ظهرت نظريات تدفعه للمشاركة في العرض المسرحي فكرياً منذ بريشت وحتى الآن.

لكن الفنان نمر سلمون أراد أيضاً أن يشارك المتفرج في العرض بطريقته الخاصة منذ قرابة عشرين عاماً تقريباً وأسس فرقة «مسرح الجمهور الخلاق»، وأدرج معظم عروضه تحت هذا العنوان العريض، محاولاً خروج المتفرج من سلبيته بطريقة استفزازية وتحريضية، مثلاً يقول في عرض «مسخ»‏‏

الذي قدمه منذ أكثر خمسة عشر عاماً «إذا قلتم لي مساء الخير، فلن أرد عليكم». ويكتب في بروشور العرض تحت عنوان ثرثرة المخرج: «أكرهكم حتى إشعار آخر»، يريد أن يشارك المتفرج في العرض رغماً عنه. وفي عرضه درس درامي يوجه حديثه إلى المتفرج: «أنا لا أحتمل سلبيتك تجاه ما يحدث في العالم.. ستصبح يوماً ما شاهداً على دمار نفسك ودمار الآخرين، فأنت تنفعل دون أن تفعل». يدعو المتفرج إلى أن يواجه نفسه بشجاعة ويعبر عنها بحرية مطلقة.‏‏

منذ ذلك الحين شاهدت عروضه كلما تسنت له الفرصة في أن يقدمها في سورية كونه يعيش في إسبانيا، فقدم في معظم البلدان العربية والأوروبية، وأكمل دراسته الأكاديمية في فرنسا وإسبانيا على فن الارتجال، ومؤخراً قدم على مدى ثلاثة أشهر ثلاثية في كل شهر عرضين متتالين من التجربة ذاتها بتنويعات متعددة.‏‏

يهدف مسرح الجمهور الخلاق إلى أن يشارك المتفرج في العرض ليس ذهنياً فحسب، وإنما جسدياً وفكرياً ووجدانياً، وبالتالي يتحول المتفرج إلى ممثل يقتحم الخشبة أول مرة ضمن شروط يحددها سلمون الذي يتخذ ثلاثة أدوار في عروضه: المحرّض الإبداعي، ومساعد المحرّض الإبداعي «المخرج المنفذ»، والممثل، وهي عملية تحريضية واستفزازية للمتفرج/ الممثل، الأدوار الثلاثة ليست واحدة، لكن أهمها المحرّض الإبداعي كونه قائد اللعبة والنموذج الممثل المنفذ الذي يقدم اقتراحه إلى المتفرج، في حين أن مساعد المحرّض ينظم اللعبة فقط.‏‏

إلا أن شروط المشاركة لضمان نجاح التجربة، تكون سهلة جداً، يجب أن يكون المتفرج غير مجرب للمسرح، بمعنى أنه متفرج خام يظهر أول مرة على الخشبة ولا يعرف شيئاً من التمثيل، ويفضل أن يكون هذا المتفرج خجولاً أو من بيئة محافظة، وهنا تختلف شروط اللعبة من مجتمع إلى آخر، بل ويفضل أن يكون كبير السن لمواجهة التحدي بين المتفرج الذي سيمثل والممثل نفسه، وهذا يتطلب ألا يكون المتفرج على علاقة شخصية بالمخرج، يقول سلمون: «ينكسر شرط اللعبة إن كان المتفرج شاباً»، وبالتالي فالعجائز أو كبار السن يستفزون سلمون ويضعون قوته على طاولة التحدي لإنجاح العملية التفاعلية أو التشاركية.‏‏

وقد يتبادر إلى ذهن المتفرج أن هذه العروض لا تحتوي على شخصية ذات ملامح محددة، لكن تطور هذه الشخصية تعتمد على نفسية المتفرج، فيقول: نحن محجبون ليس بمعنى الحجاب الذي تضعه المرأة على وجهها، إنما الحجاب هو الانغلاق على الذات ووضع غشاوة على الفكر، بمعنى خرق ديني وأخلاقي وتشريح الإنسان إبداعياً وهو مكشوف بالنسبة إلى الآخر وغير مكشوف لنفسه، فالتعبير عن الطاقة الإبداعية يبحث عن ذاته وعن نفسه، فالإنسان بطبعه متكاسل وثوري، لذلك لا يذهب إلى المسرح رغم تنظيراته التي تحرّض المتفرج باتجاه مجتمع فعال قادر أن يتخذ القرار ويتحمل النتائج.‏‏

قد تكون التابوهات على الخشبة نادرة جداً حسب كل مجتمع ومتفرج، ورغم ذلك هناك رقيب داخلي داخل كل واحد منا، ويتجسد هذا الرقيب بالابتعاد عن السياسة والأخلاق العامة، ورغم كل هذا التشارك بين الصالة والخشبة.‏‏

تتطلب هذه العملية ارتجالاً في الطريق الذي يريده المخرج فقط، لكن إن كان المتفرج راغباً، فالمخرج يغذيه ويعيده إلى المسار الذي اتخذه منذ البداية، قلنا العملية تحريضية واستفزازية للمتفرج/ الممثل، وهكذا لا يقدم سلمون كل شيء جاهزاً للممثل المتفرج بل يحرضه للخروج من سلبيته ومن ورطته على الخشبة بمساعدة مساعد المحرض الإبداعي.‏‏

الجمهور الغبي والبدائي هو الذي يريد الحكاية ويتابعها بمتعة لا توصف، لذلك يكون التعلم تدريجياً وتراكمياً، وهذه مسألة قريبة من تعلم الشعوب البدائية الأولى.‏‏

مسرح الجمهور الخلاق لا يكتمل، هو مفتوح على أحداث عديدة يومية وحياتية، وطالما أن الجمهور يتغير من عرض إلى آخر، فالممثل/ المتفرج أيضاً يتغير، وبالتالي تكون استجابته مختلفة من عرض إلى عرض آخر، يهدف هذا المسرح إلى خروج المتفرج من سلبيته ليعبر عن رأيه ويحدد موقفه من الحياة.‏‏

إن عروضاً من هذا النوع تتقيد بشروط اللعبة وتهدف أولاً إلى الإمتاع والتسلية ولا مانع أن يتسلى الجمهور باحترام وأدب، وبالتالي يصل إلى أهداف المسرح، وربما تجذيره هي لحظة تطهرية، ليظهر التماهي والتوحد ليس على شكل النموذج الصوفي، وهذا يعارض مسرح الإبهار البصري الذي يعتمد على شاشة السينما أو الإضاءة المبهرة والمتقطعة «إضاءة ديسكو، وحفلات الرقص مثلاً».‏‏

وعن علاقته بالمؤسسة الثقافية قال ساخراً: «أسمع دائماً أن المديرية تقول إن أبوابها مفتوحة لكل مخرج مبدع ولكل تجربة جادة، ويبدو أن هذا الشرط لا ينطبق علي، وربما أصبح مبدعاً في يوم ما، لكن إذا أردت الحقيقة، فأنا لا أنتمي إلى مجموعة المؤسسات الثقافية، أليس من المعيب أن تتكرر بعض الأسماء مرات عديدة في موسم واحد، وتستبعد أسماء أخرى أكثر أهمية، وكأن الإبداع تجسد فيهم فقط، وياليتهم مبدعون! والآخرون ينتظرون فرصة منذ سنوات، بالنسبة إلي اعتزلت المسرح منذ اعتلى هؤلاء أحصنة خشبية يدافعون عن الفن، وإن كانت المديرية هي التي ستمنحني هوية المبدع المسرحي، فلا أريدها».‏‏

«أعود وأكرر وأشهد أن الباب كان مفتوحاً، ودخلت من الباب، أما المغلق، فهو عقلية المسؤول، وياليتهم يغلقون الأبواب وينظمون المواعيد على أن ينفتحوا على تجارب مسرحية مهمة لمجموعة شباب في أول طريقهم، رأيت شباباً أبدعوا على خشبة المسرح مخرجين وممثلين ولم أرهم مرة أخرى».‏‏

«الباب مفتوح أمام الجميع، أما العرض فمغلق عدا بعض المقربين وهم معدودون على أصابع اليد، ولولا الخجل لذكرت أسماءهم، لكنني لا أحسدهم، فكثرة الفرص لا تعني أن صاحبها مبدع، لذلك على المديرية أن تنتبه إلى هذه المسألة طالما أن هذه العقلية هي السائدة، فالمسرح سيبقى اسماً لأمكنة لا لحالة. أنحاز لغيري من المخرجين الشباب، أنحاز للفن وللمسرح وللإبداع وللجيل الجديد الذي من حقه أن يعبر عن وجهة نظره الإبداعية».‏‏

لكن في الوقت نفسه ما أثار انتباهي أن معظم العروض تبدع من خلال الدخان الذي يكاد يخنق الجمهور للتدليل على حل مسرحي وحيد ولخروج الساحرات وسواها، وهذا إن دل على شيء، إنما يدل على الفقر الإبداعي والفني والإبداع الدخاني».‏‏

صراحة خلال سنتين من وجودي هنا في سورية، استمتعت بعرضين شبابيين فقط هما «حكاية علاء الدين لأسامة حلال» لبساطته في الطرح وذكائه الإخراجي، ومونودراما «امرأة وحيدة» لأمل عمران، وحتى لا أظلم تجارب أخرى هناك عروض لم أتمكن من مشاهدتها، أما عروض المسرح القومي، فشاهدت معظمها تقريباً، ولم أجد فرقاً بين ما رأيته الآن وما رأيته منذ عشرين عاماً، ربما قد أجد في العروض القديمة بوارق أمل لدى بعض التجارب، لذلك أعتقد أن مؤسسة المسرح القومي لم تعد ضرورية إذا كانت غير قادرة على التجدد فكرياً وإبداعياً، ويمكن حلها وتوزيع ميزانيتها إلى فرق صغيرة شبابية تستحق الدعم المادي والمعنوي على أن يستمر الدعم طالما الفرقة جادة ومبدعة، ويجب أن تكون هناك عملية فرز وإلا ستجدني أتحدث بعد عشرين عاماً عن الموضوع نفسه».‏‏

«من الذي يقيّم العرض الإبداعي من غير الإبداعي إن كان المسؤول عن هذه المؤسسة لا يعرف ألفباء المسرح، أليست الوزارة هي التي نصبت شخصاً غير موهوب على الإدارة وشخصاً آخر أكثر انتهازية في الوسط المسرحي إلى جانبه؟».‏‏

المسرح لم يتجذر في الثقافة السورية حتى الآن بسبب هؤلاء المسؤولين وليس بسبب الجمهور، والنخب المسرحية منذ البداية حجزت نفسها في البرج العاجي، وعملياً لا يهمها الناس والجمهور، وقد صدقت نفسها لكن في المواقف الحقيقية لا علاقة لها بشيء، مثلاً أجد أفكاراً تطرح على الخشبة بعيدة عن الجمهور من حيث المبنى والمعنى، ما حاجتنا إلى العبث وإلى التجريب بمصطلحه المجرد!».‏‏

«حاول المسرح القومي تقليد بعض المسارح في الوطن العربي، فاستجلب النجم التلفزيوني لأن الممثل المسرحي لا يمكن أن يجلب جمهوراً حسب قوله، وهذه التجربة فاشلة سلفاً لأن الجمهور يأتي إلى المسرح من أجل النجم وليس من أجل المسرح، فإذا غاب النجم غاب الجمهور معه، ثم إن هذا النجم لا يقدم شيئاً للمسرح إضافة إلى تذمره وتكبره وتأففه، ورغم ذلك فالإدارات تكرس هذه الظاهرة في التكريمات واللجان التقييمية ودعوات المهرجانات كما شاهدنا ليس في سورية فحسب بل في الوطن العربي برمته».‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية