|
لماذا لبنان الآن ? ...العدوان الاسرائيلي يهدد الجميع شؤون سياسية تقرير لجنة كامبل بنرمان: أعدت اللجنة التي كان يرأسها كامبل بنرمان في عام 1907 تقريراً مطولاً اشترك في إعداده عشرات العلماء المختصين من عدة دول أوروبية وبخاصة من فرنسا , وقد تضمن التقرير في القسم الأول منه وصفاً لجغرافية الوطن العربي وموقعه وخصائصه وخصال الأمة التي تقطنه , مؤكداً أن البحر المتوسط هو: (الشريان الحيوي للاستعمار والمصالح الاستعمارية الآنية والمقبلة) وأنه من أجل أية خطة تستهدف حماية المصالح الأوروبية لابد من السيطرة على هذا البحر وعلى شواطئه الجنوبية والشرقية لأن من يسيطر على هذه المنطقة يستطيع التحكم بالعالم أجمعع وفي هذا إشارة إلى نظرية /ألفرد ماكندير/ التي تتحدث عن قلب العالم(الهارتلند) والتي أكد فيها ماكندير أن من يسيطر على قلب العالم يمتلك قدر العالم بقبضته , وقد وسع ماكندير نظرية القلب مرتين بعد نهاية الحرب العالمية الأولى والثانية حيث رسم في عام 1943 قلباً جنوبياً يقع في الجنوب الغربي من القارة الأفريقية وسمى المنطقة الواصلة بين القلبين منطقة الجسر وهي تشمل منطقة الشرق الأوسط التي يتم التحدث عنها حالياً . وقد علق تقرير كامبل بنرمان زعيم حزب الأحرار ورئيس الحكومة البريطانية آنذاك على مجموعة تساؤلات حول ماسيترتب على نهوض الأمة العربية في حال توحدت وتحررت مبيناً أن الخطر على كيان الامبراطوريات الاستعمارية كامن في تحرر هذه المنطقة, وفي توحيد اتجاهات سكانها, وفي تجمعها, واتحادها حول عقيدة واحدة وهدف واحد, وتضمن القسم الثالث من التقرير دعوة صريحة لجميع الدول الاستعمارية ذات المصالح المشتركة جاء فيها: العمل على استمرار وضع المنطقة المجزأ المتخلف كما هو عليه, وعلى إبقاء شعبها على ماهو عليه من تفكك وجهل وتأخر, وعلى محاربة اتحاد جماهير المنطقة ومنع إقامة أي نوع من أنواع الترابط بينهم فكرياً كان أم عقائدياً, أم روحياً وضرورة العمل لإيجاد الوسائل العملية القوية لفصلها عن بعضها ما أمكن, وقد قدم التقرير جملة من المقترحات منها: لدرء الخطر عن الاستعمار العالمي يجب العمل على فصل الجزء الأفريقي من المنطقة عن الجزء الآسيوي, بإقامة حاجز بشري قوي وغريب على الجسر البري الذي يربط آسيا بأفريقيا بحيث يشكل قوة صديقة للاستعمار وعدوة لسكان المنطقة, ومنذ عام 1907 والوطن العربي يجني تبعات هذه التوصيات حيث تعرض لعدد من الانتكاسات منها: اتفاقية سايكس بيكو 1916 وعد بلفور 1917 زرع الكيان الصهيوني على أرض فلسطين بعد نكبة 1948 العدوان الثلاثي على مصر 1956 ضرب الوحدة بين سورية ومصر 1961 نكسة حزيران 1967الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان 1982 الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت عدة سنوات إقدام النظام العراقي على احتلال الكويت 1991 احتلال العراق من قبل القوات الأمريكية وحلفائها 2003 الضغوط المتواصلة على سورية واستصدار القرار 1559 وماتبعه من قرارات تتعلق باغتيال رفيق الحريري العدوان الإسرائيلي - الأمريكي على لبنان 6002 . كل هذا إضافة إلى تحديات التجزئة والتقسيم والعوامل الداخلية الخاصة بكل دولة عربية كالجهل والأمية, وعدم امتلاك تقانة المعلومات, وغياب الديمقراطية الجزئي أو الكلي والعلاقات الثنائية التي تربط بعض الدول العربية بإسرائيل وغيرها من الدول التي لاتريد خيراً لهذه المنطقة, ولاشك أن كل عنوان من هذه العناوين يمكن أن يكون موضوعاً بحثياً مستقلاً, لكن سنكتفي بالحديث عن بعض الأخطار المحدقة بالأمة العربية وأمنها بعد أحداث الحادي عشر من أيلول حيث كان العراق المحطة التالية بعد أفغانستان ويبدو أنه تم ترشيح لبنان ليكون محطة جديدة, وهنا لابد من الإشارة إلى نقطة أساسية حول حقوق الدول واحترام سيادتها, ودور المنظمة الدولية المغيب جراء تفرد واشنطن بالقرار الدولي بعد انهيار الثنائية القطبية. لماذا لبنان? من يمعن النظر فيما تشهده المنطقة من أحداث يدرك أن نزعتين توجهان سير الأحداث : أ نزعة عدوانية تسلطية متغطرسة تريد فرض إملاءاتها على الجميع ولو تطلب ذلك تعميم ثقافة القتل والترويع واستخدام الآلة العسكرية بديلاً عن لغة الدبلوماسية في العلاقات الدولية . ب نزعة مقاومة تدعو إلى الحفاظ على الذات ومقومات الهوية الوطنية والقومية مدركة أن أنصار القوة سحبوا الخيار الثالث من أيدي الدول شعوباً وحكومات فإما أن يتم الانجراف في تيار الخنوع والاستسلام وإما المواجهة وما تفرزه من فواتير يجب دفعها لكنها في نهاية المطاف أقل بكثير من منعكسات تسليم الإدارة للعدو, وقد يتساءل سائل لماذا اختير لبنان ساحة مواجهة بعد العراق الذي ما تزال النار تشتعل في أرجائه? وللإجابة على هذا التساؤل لابد من النظر إلى الأمر بشمولية أكبر فالمستهدف ليس لبنان فحسب, وليس سورية فحسب بل كامل المنطقة , والمستهدف قبل كل شيء نهج المقاومة وثقافة المقاومة , وجاء احتلال العراق ليصبح الوجود العسكري الأمريكي في مياه المنطقة وأراضيها قدراً جاثماً, وحقيقة واقعة ويبدو أن أركان إدارة بوش مستعجلون على فرض إملاءاتهم رغم الخيبات التي يفرزها واقع الاحتلال في العراق وفلسطين المحتلة ولكي تتكامل الأدوار كان اختيار لبنان, ليس الآن وإنما منذ أن وضع المخطط الهادف إلى السيطرة على كامل المنطقة, لكن تعامل سورية الحكيم والجاد والمسؤول مع تطور الأحداث واشتداد عود المقاومة واتساع جبهة أنصارها هو الذي أخر هذا الأمر, فمنذ صدور القرار 1559 والأهداف المبيتة أخذت تنكشف, ومع ذلك يبقى التساؤل قائماً لماذا لبنان وهو الأصغر مساحة /10.452/كم وعدد سكان بحدود أربعة ملايين ومئة ألف نسمة, وهنا لابد من الإشارة إلى أن لبنان يمثل خاصرة سورية حاضنة نهج المقاومة, وتمتد الحدود السورية اللبنانية لتصل إلى/ 278/كم , وإذا أضفنا إلى ذلك امتداد سواحله على البحر الأبيض المتوسط المسافة /220/كم أدركنا الأهمية الجغرافية لهذا البلد الذي يبلغ طول حدوده مع فلسطين المحتلة من قبل العدو الإسرائيلي 79كم وطالما أن الكيان الصهيوني يمثل رأس الحربة المتقدم فطبيعي أن يعمل مع أنصاره لإبعاد كل مايعيقه من بسط غطرسته وتهيئة الأجواء للإجهاز على المقاومة والضغط بشتى السبل والوسائل على أركان الممانعة للتخلي عن النهج المقاوم وثوابته التي تزداد حضوراً في الوجدان العربي. لبنان والشرق أوسط الجديد يستهجن كل ذي بصيرة كل ما تم الترويج له عبر وسائل إعلام ترتبط بشكل أو بآخر بشبكة إعلامية يسيطر عليها رأس المال المتصهين المكرس لخدمة أهداف الصهيونية العالمية, فالحديث عن أن سبب هذا العدوان الوحشي الغادر على لبنان هو أسر جنديين صهيونيين سخافة يمجها العقل ويرفضها المنطق, كما تدحضها تصريحات المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين التي تطلق بين الفينة والأخرى, ولعل تصريح( سمراء واشنطن) يمثل الدليل الواضح على كذب تلك المقولة. فقد أوضحت رايس بجلاء أن ما يعانيه لبنان هو آلام المخاض, والمخاض لا يأتي إلا بعد حمل, والتأكيد على أن شرقاً أوسط جديداً يولد هو دلالة واضحة على النوايا المبيتة, والجهود الكبيرة التي بُذِلَتْ للوصول إلى هذه المحطة, وما يزيد هذا الأمر تعزيزاً هو حديث رايس عن عدم العودة إلى الشرق أوسط القديم الذي وئد إلى غير رجعة على حد زعم تلك المعربدة في زمن العقم الإنساني المأفون. ولايخفى على ذي بصيرة أن شمعون بيريس هو صاحب شعار /الشرق أوسط الجديد, وعندما تعثر تحقيق هذا الشعار تم تحويره ليصبح الشرق أوسط الكبير/ بعد هبوب رياح مواتية تمثلت باحتلال العراق, وفرض الوجود العسكري الأمريكي كقدر جاثم في هذه المنطقة الجيوستراتيجية من العالم, لكن لم يكن نصيب التسمية الجديدة بأفضل من سابقتها بعد اصطدام الإدارة الأمريكية بأساطيلها وبوارجها وآلة تدميرها بإرادة المقاومة الرافضة لكل أشكال الاحتلال, وجراء تعثر المشروع الأمريكي في أفغانستان والعراق كان لابد من إيجاد مخرج يؤدي إلى طريق جديدة لطرح ما سبق وإن رفض, وهكذا عاد مشروع /الشرق أوسط الجديد/ إلى الساحة ثانية مؤكداً على هويته الإسرائيلية الصرفة بعد أن ضمن قادة تل أبيب استمرارية صمت المجتمع الدولي تحت تأثير /الفيتو/ الأمريكي وتفرد واشنطن بالقرار الدولي. وهذا ما أشار إليه الكاتب محمد حسنين هيكل منذ احتلال العراق بقوله:(ومن وجهة نظر أقطاب هذه البؤرة الجماعة فإن(تاج) الشرق الأوسط يمكن تثبيته على رأس الإمبراطورية الأمريكية بعملية تصفية نهائية) لمؤثرات عربية قد تعاودها أحلام قديمة لم يعد لها الآن مجال, وتأمين ذلك يقتضي إجراء عملية جراحية واسعة في العالم العربي تغير أفكاره وتوجهاته, وتغير قيمه ومعتقداته, حتى إذا اقتضت الجراحة زرع قلب جديد, يقبل به الجسم العربي فكراً وفعلاً مهما كانت درجات الحساسية والمقاومة والرفض, وإذا أصرَّ الجسم العربي على العناد, فإن الجرَّاح القائم على زرع القلب مخول بتوقيع شهادة وفاة.إذن كل ما له علاقة بالمؤثرات العربية, وكل ماله علاقة بالأفكار والتوجهات والقيم والمعتقدات لم يعد صالحاً وفق نظر اليمين الجديد المتصهين في إدارة بوش, وبالتالي لابد من زراعة قلب جديد لتغيير ذلك, وطالما أن درجات الحساسية والمقاومة والرفض ماتزال قائمة ومتجسدة في المقاومة وثقافة المقاومة فإن الجراح القائم على الزراعة ممثلاً بالكيان الصهيوني وآلة تدميره مخول بتوقيع شهادة وفاة, وفي ضوء هذا يأتي تفاؤل /رايس/ بأن آلام المخاض تبشر بولادة /شرق أوسط جديد/, وتتضمن فيما تتضمن وأد/الشرق أوسط القديم/ الذي لم يعد منسجماً مع المخططات الأمريكية الصهيونية الهادفة إلى بسط النفوذ والهيمنة على كامل المنطقة. من غزو العراق إلى تدمير لبنان ! يدرك كل مهتم بما تشهده المنطقة من أحداث أن واشنطن دقَّت المسمار الأخير في نعش المنظمة الدولية عندما غزت العراق خارج إطار الشرعية الدولية, وبما يتناقض جملة وتفصيلاً مع ميثاق المنظمة, وأعراف المجتمع الدولي, وعلى الرغم من قناعة إدارة بوش بموت المنظمة الدولية إلاّ أنها لم تعلن الوفاة كي تستثمرها منبراً لفرض شروطها وإملاءاتها على كل من يقول لا للسياسة الأمريكية الصهيونية في العالم, وفي ضوء هذا كان صدور القرار /1559/ الذي يضع في أول سلم اهتماماته تجريد حزب الله من سلاحه, وبالتالي تحويل لبنان إلى بوابة لتمرير مشروع الشرق أوسط الكبير بعد التحقق من عدم صلاحية البوابة العراقية جراء المقاومة الشريفة لأبناء العراق, وتكررت المحاولات المتعددة الهادفة إلى تشويه صورة المقاومة عبر الخلط المتعمد بينها وبين العمليات الإرهابية التي تودي بحياة الأبرياء. وَلَكمْ حاولت واشنطن وأنصارها وعملاؤها داخل لبنان وخارجه فرض تنفيذ القرار/1559/ لتجريد المقاومة من سلاحها كخطوة أولى تتداعى بعدها بقية حلقات المسلسل بشكل تلقائي, لكن تلك الجهود اصطدمت بالحضور الشعبي الفاعل للمقاومة في وجدان الشارع اللبناني, وباءت جميع المحاولات الدبلوماسية عبر الأذيال المتآمرة بالفشل, وهذا ما زاد رصيد المقاومة, كما زاد من فاعلية الدور السوري الإقليمي كونه حاضناً للمقاومة فكراً ونهجاً وممارسة, الأمر الذي كاد أن يوصل أحلام إدارة /بوش/ وحكام تل أبيب إلى طريق مسدودة, وإذا أضفنا إلى ذلك إخفاقات واشنطن في استصدار قرار دولي ضد إيران يتضح لنا كيف تم التركيز على لبنان, وزيادة الضغط على سورية للرضوخ للإملاءات الأمريكية الصهيونية, لكن ذلك كله لم يجدِ نفعاً, وبالتالي لم يبقَ أمام أصحاب ذاك المشروع إلا الغزو العسكري المباشر للبنان وتدميره في حرب مخططة بشكل مسبق, بعد ضمان سكوت الرأي العام الدولي, وانضمام بعض المحسوبين على العروبة إلى الصف المعادي, وبشكل سافر لم يكن أحد يتوقعه رغم القناعة بعمالة من ضاق ذرعاً بالأقنعة التي كان يرتديها فقرر خلعها دفعة واحدة. يتضح مما تقدم أن ذريعة أسر جنديين إسرائيليين ما هي إلا رماد يذر في العيون فالخطة كانت جاهزة ومبيتة, وقد تم إعدادها بشكل محكم بمباركة وتشجيع أمريكي وقبول ومشاركة عربية, وهذا أخطر ما واجهته المقاومة في تاريخها المعاصر, ولكي لا نذهب بعيداً نسوق شاهدين يؤكدان صحة ما نقوله, ففي مقابلة للسفير الإسرائيلي في موسكو/اردكاي ميل مان/ أجرتها صحيفة /كومير سانت/ الروسية بتاريخ 51/7/2006 قال: لقد حان الوقت لكي يدفع لبنان ثمن الدم الإسرائيلي الذي أريق في جنوبه دون أن يوافق على توقيع اتفاقية سلام معنا وفي حديث /لشمعون بيريس/ لصحيفة /فريميا نوفستي/ الروسية بتاريخ41/7/2006 قال: لايمكن لإسرائيل أن تخسر أي حرب, مهما كانت, لأن خسارتها ولو حرباً واحدة تعني خسارتها الحياة وبعضاً من ديمومة وجودها . فالأمر يتعلق بمعاقبة لبنان كل لبنان على عدم توقيع اتفاقية سلام, وانتقاماً للدماء الإسرائيلية التي سفحتها المقاومة سابقاً في جنوب لبنان, ولأن الأمر على غاية الأهمية فقد أعدت حكومة(أولمرت) كل ما تتطلبه الحرب المخططة بشكل مسبق لأن الخسارة كارثية, ولكن حساب البيدر لم يتطابق مع حساب الحقل وباختصار شديد يمكن القول بأن العدوان على لبنان يهدف إلى تحقيق ما يلي: 1 محاولة إعادة الروح للمشروع المتعثر في العراق وفلسطين. 2 استكمال تنفيذ القرار /1559/ والجميع يدرك أن إسرائيل كانت تفاخر بأنها وراء استصدار القرار المذكور. 3 تجريد المقاومة من سلاحها ومحاولة القضاء عليها. 4 معاقبة المقاومة على الهزيمة التي ألحقتها بقوات الاحتلال الإسرائيلي عام2000 ومعاقبة الشعب اللبناني على وقوفه إلى جانب المقاومة. 5 ضرب السياحة والاقتصاد في لبنان وإعطاء قوى 14 آذار زخماً جديداً ليكونوا أكثر تصميماً على نزع سلاح حزب الله. 6 ضرب البنى التحتية والعمل على إحداث فتنة داخلية وحرب أهلية إن أمكن. 7 توطين الفلسطينيين حيث هم, وتصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي . 8 عدم السماح بتعميم انتصارات المقاومة وإبقاء العصا الغليظة مرفوعة فوق رؤوس الجميع والتهديد بالدمار والزوال لكل من يخرج عن فلك السياسة الأمريكية . 9 ممارسة المزيد من الضغوط على سورية لثنيها عن مواقفها, وتخليها عن تبني نهج المقاومة ودعمها. 10 تمرير مشروع الشرق أوسط الكبير أو الجديد كلاهما سيان عبر البوابة اللبنانية وبالتالي فرض السيطرة وبسط النفوذ على كامل المنطقة حاضراً أو مستقبلاً. حسابات الحقل وحسابات البيدر! لم تفلح تصريحات بعض من حاولوا الإساءة إلى المقاومة ووصفها بالمغامرة غير محسوبة النتائج في النيل من هيبة المقاومة أو التقليل من عظمة إنجازاتها البطولية في زمن التسابق بالانبطاح والتمسح بالحذاء الأمريكي الصهيوني, بل على العكس فقد زادت المقاومة تصميماً على متابعة نهج الصمود والتصدي البطولي المشرف الذي تكتب صفحاته بأحرف من ألماس تخلد المقاومة والمقاومين, وما زاد من فعالية المقاومة حضورها وصدقها وشفافيتها في جميع طروحاتها أن المفاجآت التي وعد بها سيد المقاومة أخذت تتحقق تباعاً, وجاء تدمير البارجة الإسرائيلية /ساعر/ ضربة صاعقة للبحرية الإسرائيلية أدى إلى انكفاء بقية زوارقها وسفنها الحربية إلى العمق, كما عجزت الغارات الحربية المتكررة والتي ألقت من القذائف فوق الأراضي اللبنانية ما يعادل عدة قنابل ذرية, لكنها فشلت في النيل من المقاومة وسلاحها, وجاءت الضربة التالية للمشاة الإسرائيلية التي تتكبد الخسائر الفادحة في الأرواح والمعدات, حيث يتصدى رجال المقاومة لها ببسالة وشجاعة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً, ولاشك أن المدارس والمذاهب العسكرية ستُدخل إلى مناهجها أساليب قتال المقاومة المشرفة في /مارون الراس/ و/بنت جبيل /وغيرهما, ووقفة متأنية عند مدلولات صمود رجال المقاومة وتصديهم لأعتى آلة عسكرية ,وأضخم ترسانة أسلحة تدمير في المنطقة, وتكبيدها الخسائر يؤكد عظمة ما تؤديه هذه المقاومة, وإذا أضفنا إلى ذلك كله إلزام حوالي نصف سكان إسرائيل على البقاء في الملاجئ والغرف المحصنة يتبين لنا عظمة إنجازات المقاومة التي دكت العمق الصهيوني وشلّت حركة السياحة فيه وجعلت قادته يتخبطون في اتخاذ القرارات, حيث أصبح الاستمرار في المعركة يهدد الداخل الإسرائيلي الذي لم يعتد أن يرى جنوده إلا منتصرين, لكنه في هذه المواجهة لم يرهم إلا وهم يجرون أذيال الخيبة والخذلان. وبغض النظر عن الدمار الهائل الذي ألحقه القصف بلبنان وتقطيع أوصاله وتدمير قراه, ومدنه, وبناه التحتية, فإنه باختصار شديد يمكن القول أن ما حققته المقاومة سيسجل في التاريخ, كما سيسجل التاريخ وصمة عارفي جبين المجتمع الدولي الصامت عن إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل بمباركة أمريكية وتشجيع عربي ودولي يندى له جبين الإنسانية, ومجزرة قانا الأخيرة خير شاهد على ذلك. استنتاجات: الشرق أوسط الجديد نسخة مطورة عن مشروعات عدوانية سابقة لم يكتب لها النجاح. العدوان الإسرائيلي على لبنان مبيت وموضوع الأسيرين ليس إلا ذريعة واهية, وحكام تل أبيب لن يعدموا الوسيلة لاختلاق الذريعة المطلوبة عندما يريدون. المقاومة تدافع عن شرفها وعن كرامة لبنان والأمة وإنسانية الإنسان. نهج المقاومة هو المستهدف أولاً وأخيراً لأنه العقبة الوحيدة في وجه المشروعات الهادفة إلى بسط النفوذ والتحكم بالمصير حاضراً أو مستقبلاً. صمود المقاومة أوضح زيف الهالة التي أحاط بها حكام تل أبيب قواتهم المسلحة التي أخذت تترنح تحت ضربات المقاومة الباسلة. لن تسلَّم تل أبيب وواشنطن بالهزيمة, ولا يستبعد استخدام كل الأسلحة المحرمة دولياً للقضاء على المقاومة كلياً واقتلاعها من جذورها إن أمكن. العراق هو الرحم الأول لمشروع الشرق الأوسط الكبير, وقد تم نقل الجنين إلى لبنان كرحم بديلة لولادة شرق أوسط جديد, وبعض الأنظمة العربية والقوى العميلة في لبنان تمثل مثبتات الحمل الذي لن يتمخض إلا عن جنين ميت, لأن الولادة القيصرية كانت على يد طيب أرعن مما سبب الوفاة. مجزرة قانا الجديدة تحمل الكثير من المعاني ومنها: أ الفشل الميداني والسياسي الذي تعانيه حكومة أولمرت وقطعان احتلالها على الرغم من الزخم اللامحدود الذي تتلقاه من واشنطن. ب افتضاح الهمجية الصهيونية أكثر فأكثر على المستوى العالمي, وافتضاح الصمت العربي والدولي المريب الذي تحاول واشنطن فرضه على العالم. ج ازدياد المقاومة حضوراً وفاعلية, وازدياد الغليان في الشارع العربي الذي يمكن أن يسفر عن نتائج كبيرة إذا أُحسن استثماره وتحول السيد حسن نصر الله إلى رمز على امتداد الساحتين العربية والدولية. د خفوت الأصوات المرتبطة بالخارج ضد وطنها وأمتها. ه إثبات صحة أن المقاومة هي الأسلوب الأنجع في مواجهة أطماع المعتدين , وعلى من مايزالون يراهنون على الحكمة والانصياع أن يدركوا أن أطفال (قانا) لن يكونوا أخر الضحايا, وأن جميع أطفال المنطقة معرضون للمصير ذاته عاجلاً أم آجلاً, وفي مقدمتهم أطفال الدول التي تسير في الفلك الأمريكي الصهيوني, إلا في حال انتصار المقاومة, وتمكنها من وضع حدٍ لهذا الفلتان والعربدة . في ظل استمرار الإخفاقات الميدانية لا يستبعد القيام بإنزالات جوية وبحرية يتم احتضانها من قبل بعض رموز العمالة المرتبطين بالخارج , ولعل هذا أحد المواضيع التي ناقشتها /رايس/ مع تلك القوى العميلة . سورية ليست بمنأى عن الخطر رغم التصريحات الإسرائيلية المتتالية والمتضمنة عدم رغبة إسرائيل بتوسيع دائرة الحرب, وفي جميع الأحوال ستكون الهدف التالي في حال عدم انتصار المقاومة وهذا مستبعد ما لم يتم استخدام أسلحة ذات طاقة تدميرية شاملة. طبيعي أن تتحسس سورية الخطر, و ألا تسمح بالاستفراد بالمقاومة, لأن الحرب الحالية تضع المنطقة برمتها على مفترق طرق فإما أن ينتصر المشروع العدواني وترزح المنطقة برمتها تحت السيطرة المباشرة لعدة أجيال, وإما أن تنتصر المقاومة وينكفئ المشروع الصهيوني الإمبريالي إلى غير رجعة, ولذا فالخطر يهدد الجميع وعلى الجميع إدراك ذلك . * باحث في الشؤون الاستراتيجية
|