|
فنانون تشكيليون زاروا الجنوب في رحلة لاكتشاف البعد النضالي شؤون ثقا فية نتأمل مشاهد الدمار المعبرة عن اهوال عالمنا الوحشي ونتفاءل حين نتذكر الاسطورة الاغريقية التي تقول : ( كلما شعرت بيروت انها مهددة بفقدان حريتها كانت تحترق ثم تقوم في كل مرة من بين الرماد لتزهر من جديد). فالاحتراق هنا يعبر عن نقمة بيروت وسخطها ومشاعرها المشدودة الى يوميات المقاومة وتطلعات تفاؤلات العين الجنوبية المتثبتة بالارض والانسان والباحثة عن ولادة جديدة تنشل الاجيال القادمة من مأساة الحياة اللبنانية المتشحة بسواد الحرائق واثار القذائف الحديثة المتفجرة بقوة مضاعفة, تجسد المشاهد المفجعة واشلاء الجثث ولحظات الاقتلاع والتهجير والتشرد. وفي سياق معايشة اليوميات المتوترة بأدق تفاصيلها المرعبة والموحشة,كانت لنا وقفة جديدة شملت بعض الاسماء المعروفة في الحركة الفنية التشكيلية. خزيمة علواني : إسرائيل محدودة ومصطنعة خزيمة علواني أحد اكثر الفنانين الرواد ارتباطا بالمواقف الرافضة لأوجاع الحروب ودمارها. حيث استعاد في لوحاته ومنذ نهاية الستينات , اشارات الاحلام الحديثة المتكسرة حين رسم الحصان الجريح المطعون بالسهام .إلا ان الصرخة التي يطلقها الحصان تعطي القدرة على الاحتجاج والانفلات من رواسب الاحساس بالانكسار في ازمنة الحروب والخيبات ولقد جنح خزيمة علواني في معظم لوحاته نحو اضفاء المزيد من الدلالات الرمزية والاسطورية للوصول الى جوهر التعبير المأساوي الباحث عن الاحلام الانسانية التي تنشد الحرية والسلام وسط دوامة الخراب والدمار فالتفجيرات اللونية التي جسدها في اكثر لوحاته عبرت بصورة واضحة عن حرائق الحروب الراهنة, وبدت كما لو انها حرائق لبراكين منفجرة ومشتعلة. ولقد طرح خزيمة تساؤلات جديدة حول لوحة بيكاسو الشهيرة( الجرنيكا) حين اعاد رسمها بطريقته وباحساسه الخاص في خطوات الوصول الى اللوحة البانورامية المعبرة عن ردة الفعل التشكيلية تجاه حروب لا تنتهي. خزيمة علواني اظهر تعاطفه مع انتفاضة تحرير الارض من عدوها الحقيقي اسرائيل ومما قاله: الحرب الحالية يجب أن تأخذ ابعادها عبر فتح باب التطوع للراغبين في المشاركة حتى يتم الالتحام التام مع العدو بالسلاح الابيض , فاسرائيل تعتمد في حروبها على الطائرات وبالتالي فهي تخشى من المواجهة الميدانية المباشرة,وانا مع استمرارية المقاومة حتى يتم النصر لا سيما وان الحروب العربية السابقة مع اسرائيل كانت تنتهي بعد مرور ثلاثة اواربعة ايام على اندلاعها, وهذه هي المرة الاولى في تاريخ الصراع التي تواجه فيها اسرائيل حربا مفتوحة على استراتيجية بعيدة المدى. واضاف: اسرائيل محدودة ومصطنعة واقامتها للجدار العازل يشكل بداية هزيمتها فالاراضي العربية مفتوحة الى الصين في حين شكل الجدار الاسرائيلي لوحة سوريالية وباتت منغلقة على نفسها ضمن جدران ذلك الجدار . *** علي السرميني : ياسيد المقاومة والأخلاق الفنان د. علي السرميني اسم بارز في الحركة الفنية التشكيلية, ولقد اظهر منذ بداياته, بعدان درس الفن في المانيا, اهتماما بمعالجة المواضيع والرموز المرتبطة بالارض والانسان والتاريخ الحضاري وفي هذا السياق يمكننا الاشارة الى لوحته ( القدس) المعروضة بشكل دائم في متحف دمشق الوطني . يقول د. علي السرميني : (يطل تموز وهو مؤزر باكاليل الغار وتيجان العز والفخار. والمقاومة البطلة وهي تصنع الامجاد, وتدك معاقل الغطرسة الصهيونية والاميركية ولمجد الابطال الميامين تصغر كل القصائد وبصمود البطولة يرسمون اغصان الزيتون ويدافعون عن كرامة لبنان وفلسطين والامة العربية.. بكبريائكم ايها المقاومون الابطال يكبر الرجال, وتحتمي الطفولة والطيور وتقز الحرائر. ايتها المقاومة البطلة سلمت يداكم اينما كنتم, نضالا وصمودا وانتصارات. انتم سيوفنا المسلولة الباقية ودروعنا الحصينة, وانت يا سيد المقاومة يا سيد الاخلاق, يا سيد الشرف , انتم الاقلام والاخلاق النضالية العظيمة, التي تحاكي السيوف التي تروي قصة الانتصارات. انت يا حسن نصر الله , انت النصر المحلق في العلا دائماً, حيث فجرت بنا جوانح الكبرياء,والعزة والفخار... انت ايها اليعرب المؤمن يا سيد العصر والنصر في زمن الردة والتخاذل بانتصاراتك يكون السلاح والامان من الغبن ومرارة الزمن والتحديات الغاشمة.. نعاهدك, نحن معك , كل الشرفاء معك, الله معك, حتى النصر والسلام). وحول مشاركته في ملتقى الخيام الذي نظمته المقاومة اثر تحرير الجنوب اللبناني قال السرميني: لقد التقيت بالسيد حسن نصر الله مرات عديدة وألقيت كلمة ارتجالية امامه باسم الفنانين المشاركين في ملتقى الخيام الدولي وكان من بين الاسماء المشاركة من سورية: ممدوح قشلان وعبد المنان شما وعلي سليمان . كما التقينا خلال مشاركاتنا في ملتقيات للرسم بالرئيس اللبناني اميل لحود وعبرنا له عن عمق مشاعرنا تجاه يوميات الصمود والمقاومة في الجنوب اللبناني. *** عبد المنان شما : على طريقة رعاة البقر الفنان د. عبد المنان شما الذي درس الفن في روسيا واطلع عن قرب على لوحات كبار الفنانين الروس, الذين جسدوا بلوحاتهم الجدارية الانتفاضات الثورية الكبرى, اعتمد منذ بداياته على الصياغة الفنية الواقعية الحديثة القريبة من المشاعر الانسانية المحكية في معالجاته لسمات الاصل او الشكل المرسوم بوضوح واتقان وترتيب وانسجام . ولقد امتلك مهارة اللمسة وقوتها, حين جسد في العديد من لوحاته وجدارياته الرؤى الفنية المعبرة عن هموم الانسان وتطلعاته . وكان حديثنا معه بمثابة رحلة لاكتشاف البعد الوطني والقومي والنضالي في لوحاته حيث قال: يجب توظيف الفن في خدمة المعركة. فمهمة الفن الاساسية تكمن في دعم المواقف والتطلعات النضالية , وهذا ينطبق على الفن التشكيلي والغنائي والمسرحي وكل انواع الفنون السمعية والبصرية .. فالمطلوب توسيع دائرة الاهتمام بالفن الملتزم وهذه المرحلة تتطلب وقفة اكثر جدية وموضوعية, لاننا مررنا بمراحل تقلصت فيها مساحة الاهتمام بالفنون الهادفة وفي هذا الصدد يمكننا الاشارة الى ان الفن كان يحرض الشعوب في الظروف الصعبة على القيام بواجباتها في التصدي للعدوان والوقوف بحزم في وجه الطغيان وعلى سبيل المثال نشير الى لوحة( الدفاع عن لينين غراد ) التي لعبت دورها في تحرير الناس الذين كانوا محاصرين في المدينة.واضاف: الفنان مطالب بالنزول من برجه العاجي الى الشارع, لأن الفن وجد من اجل الناس والمساهمة في بناء المستقبل. ومما قاله ايضا: نحن نتفاءل بالنصر, وهذا يحتاج الى تضحيات كما استعاد تاريخ الولايات المتحدة وحروبها الاستعمارية السابقة وربطها بالحاضر وبحروبها الراهنة مشيراً الى ان العالم كله وقف في وجه العدوان باستثناء امريكا, التي ارادت توسيع رقعته لتحقيق اهدافها الاستعمارية على طريقة رعاة البقر. واشار هو الآخر الى ملتقى الخيام الذي شارك فيه على ارض الجنوب اللبناني بعد ايام قليلة من تحريره , الى جانب علي السرميني وممدوح قشلان وغيرهما منوها الى ان ملتقى الخيام قد تحول الى ساحة للابداع والعمل الفني المشترك, وبأنه التقى مع مجموعة من الفنانين المشاركين بالسيد حسن نصر الله وبالرئيس اللبناني اميل لحود, وتعرفوا على المناطق التي شهدت معارك التحرير . كما التقوا مع المشوهين والخارجين من سجون الاحتلال واستمعوا اليهم وهم يتحدثون عن يوميات البؤس والتعذيب.
|