تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


إرهابيون أم أسرى ؟

شؤون سياسية
السبت 18-2-2012
بقلم عبد الرحمن غنيم

من الواضح أن الحكومات المتورطة في إرسال عسكريين أو شبه عسكريين لممارسة الإرهاب في دول أخرى , تواجه الآن ورطة كبيرة في محاولتها لاستنقاذ من قبض عليه من رعاياها .

فالسعودية مثلاً تحاول إنقاذ ثلاثة من الأمراء السعوديين محكوم عليهم بالإعدام في العراق لقيامهم بإدارة أعمال إرهابية في العراق. عن وجود 47 ضابطاً وعسكرياً تركياً قبضت عليهم السلطات السورية داخل الأراضي السورية , لكن سورية تتجاهل الحديث عن هؤلاء كليّاً , وكأنه لا وجود لهم في قبضتها .‏

ومنذ بداية الأحداث في سورية آذار 2011 توالت أخبار غير منشورة رسمياً عن إلقاء القبض على أشخاص من جنسيات بعضها أوروبية والأخرى آسيوية , لكن سورية آثرت التكتم على الأسماء والتفاصيل , بحيث لا نستطيع تأكيد هذه الأخبار أو نفيها . ولم يسرّب إعلامياً – وبشكل غير رسمي - غير اسم ضابط سعودي قيل إنه قبض عليه بينما كان يقود العصابات الإرهابية في حمص . غير أن الأخبار تواترت في الأيام الأخيرة حول إلقاء القبض على العشرات من جنسيات من بينها الأفغانية والباكستانية ومن بلدان عربية متعددة , وهذا خلاف القتلى الذين لا يجري الإعلان عن تفاصيل أسمائهم وجنسياتهم , ويبدو أن لا أحد معنيّ باستلام جثامينهم . وبالطبع , فإن أياً من الدول ذات العلاقة – باستثناء تركيا – لم تحاول حتى الآن الاعتراف بوجود أشخاص من تابعيتها جرى احتجازهم في سورية حتى لا يكون هذا الاعتراف إقراراً منها بدورها في المؤامرة . ولعلها أقنعت نفسها بأن المشكلة ستنتهي إذا ما جرى تغيير النظام في سورية كما تفترض القوى المتآمرة . لكننا نتوقع أن يتغيّر الوضع في المستقبل حين تصبح هذه الدول أمام مشكلة تحديد مصير رعاياها .‏

إن الأمر المحوري في هذه القصة هو أن الأشخاص الأغراب الذين يتم إلقاء القبض عليهم في مثل هذه الأحداث لا يعتبرون أسرى حرب من وجهة نظر القانون الدولي العام . ولعل هذا بالذات هو السبب الذي جعل حكام قطر يقترحون إرسال قوات عربية للتدخل في سورية , أو ما يدفعهم إلى استصدار قرار من مجلس الأمن يسمح بالتدخل الدولي . فبعد أن جرى ضخ مسلحين من جنسيات متعددة داخل الأراضي السورية بدعوى أن هؤلاء المسلحين هم من المعارضة السورية , نشأت إشكالية مزدوجة قانونياً :‏

- المسلح غير السوري الذي يقع في أيدي القوات السورية خلال القتال لا يعتبر من أسرى الحرب طالما أن دولته لم تعلن الحرب على سورية , وطالما أنه لم يكن يتبع وحدة من وحداتها العسكرية بشكل واضح , ولا يمكن لدولته أن تطالب باستعادته كأسير حرب . ومن حق سورية محاكمته بتهمة الإرهاب والقتل وتنفيذ الحكم الصادر بحقه دون أن يكون بوسع دولته المطالبة بتسليمه لها بحال من الأحوال .‏

- أما المسلح السوري الذي يواكب مسلحين من غير السوريين , فإنه يكون بسبب هذه المواكبة بالذات عرضة للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى , خاصة بعد اكتشاف وجود أسلحة إسرائيلية وأمريكية مع المسلحين , والأهم وجود أجهزة اتصال متطورة مرتبطة مع مراكز قيادة تابعة للجيش الإسرائيلي , ما يجعل كل الأشخاص الذين ضبطت معهم مثل هذه الأسلحة والتجهيزات متهمين بالخيانة العظمى , عدا عن الجرائم الأخرى المسندة إليهم مثل حمل السلاح بصفة غير مشروعة والقتل والتخريب .‏

إن المحاربين غير السوريين الذين تواجدوا في الأراضي السورية هم قانونياً بحكم « المرتزقة » . والقانون الدولي لا يقدّم أيّ حماية للمرتزقة . وقد رفض المؤتمرون في جنيف بين 1974 و 1977 الاعتراف للمرتزقة بصفة « مقاتل » أو معاملتهم كـ « أسرى حرب » . كما أن قوانين وحقوق والتزامات الحرب يمكن أن تطبق على الميليشيات ووحدات المتطوعين على أن تتوفر فيهم الشروط التالية :‏

- أن يكون على رأسهم شخص مسؤول عن أعمال مرؤوسيه .‏

- أن يكون لهم شارة ثابتة تميزهم , ويمكن رؤيتها من مسافة بعيدة .‏

- أن يحملوا السلاح بشكل علني .‏

- أن يتقيدوا في عملياتهم الحربية بقوانين الحرب وأعرافها .‏

- ويضيف الفقيه الفرنسي فوشيل شرطاً خامساً , وهو أن تكون الدولة الأصلية التي يتبع لها رجال المقاومة تعترف بهم ويعملون برضاها .‏

وإذا اعتبرنا أن مدبّري المؤامرة على سورية حاولوا إعطاء المسلحين تسمية ميليشيا من خلال الادعاء أنهم « الجيش السوري الحر » , وتسمية قائد لهم مقيم في تركيا هو رياض الأسعد , واختاروا لها علم الانتداب رمزاً كبديل للعلم الوطني , وراحوا يصورون أنفسهم وهم يحملون السلاح , ويبثون هذه الصور على الفضائيات , إلا أنهم لم يتقيدوا في عملياتهم الإرهابية بقوانين الحرب وأعرافها , فقتلوا المدنيين وألحقوا التدمير بمؤسسات مدنية , كما مارسوا عمليات السلب والنهب وهو ما لا يفعله المحاربون الملتزمون بأهداف سياسية . ثم إنهم لم يحترموا حياة الأشخاص الذين ينجحون في اختطافهم , بل يعمدون إلى قتلهم أو إلى طلب فدية كبيرة لقاء إطلاق سراحهم . يضاف إلى ذلك أن التقيد بقوانين الحرب وأعرافها يعني عدم جواز اتخاذ المدنيين دروعاً بشرية بأي حال من الأحوال , بينما هؤلاء يتخذون من المباني السكنية متاريس لهم بهدف تعريض المدنيين للخطر في حالة الاشتباك .‏

وحين حاولت تركيا أن تعطي لضباطها وعسكرييها الذين تقول بأنهم معتقلون في سورية صفة العاملين في الاستخبارات التركية , فهذا يعني أنها تريد إعطاءهم صفة الجنود أو الجواسيس . وتعرف المادة 29 من لائحــة الحرب البرية الجاسوس بأنه « الشخص الذي يجمع أو يسعى لجمع المعلومات سراً أو تحت حجج مزيّفة من منطقة خاضعة لأحد المتحاربين بغية إيصالها إلى الطرف الخصم » .‏

ومن الغريب في هذا السياق أن تأتي محاولة السلطات التركية لحل مشكلة استرداد المسلحين الأتراك المعتقلين على حساب أمن المواطنين الإيرانيين من الخبراء والسياح , فهناك اجتهادات تقول بأن اختطاف هؤلاء من قبل العصابات المسلحة , والاحتفاظ بهم , والادعاء بارتباطهم بالحرس الثوري , وهو ما نفته السلطات الإيرانية , غايته المساومة التركية على إطلاق سراحهم مقابل إطلاق سراح العسكريين الأتراك . لكنّ لعبةً من هذا النوع – إذا صحّت – هي لعبة خطرة وتدلُّ على سوء التدبّر , إذ يمكن أن تعرّض المواطنين الأتراك الأبرياء للمشكلات , بحيث يصير المواطنون في بلدان المنطقة عرضة للاختطاف والمساومة . وهو ما ينقل المشكلة برمّتها إلى أفق آخر .‏

كما قيل في هذا السياق أيضاً إن الأتراك يتحفظون على العسكريين السوريين الفارين وعلى رأسهم رياض الأسعد لكي يبقوا تحت أيديهم بحيث يمكن مبادلتهم بتسليمهم إلى السلطات السورية مقابل استلام العسكريين الأتراك . لكن المشكلة قد تكون أعقد من ذلك . فمن المؤكد أن مشكلة سورية مع تركيا لا تقف عند صفقات تبادل للأشخاص المتورطين من هذا النوع , وإنما تتمثل في وقف تركيا لكل أشكال التسلل وتهريب الأسلحة التي تتخذ من الأراضي التركية قاعدة لها , خاصة وأن استمرار هذه الظاهرة قد يقود إلى نتائج تنعكس سلباً على أمن تركيا نفسها . ولعل المداخلات الأمريكية والفرنسية والبريطانية في مجلس الأمن الدولي يوم 31 كانون الثاني , والتي أكدت فيها هذه الدول أنها لا تفكر في التدخل العسكري في سورية شكلت رسالة واضحة للحكومة التركية بأنه جرى استغلالها في لعبة قذرة من قبل الغرب ودول مجلس التعاون الخليجي – وخاصة السعودية وقطر – لتبقى وحدها في تحمل تبعات هذه اللعبة , خاصة وأن الأمر يتعلق بدولة جارة لتركيا مثل سورية , وأن الأذى الذي يمكن إلحاقه بسورية سيجلب الأذى بالتأكيد لتركيا.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية