والسؤال هنا: هل يمكن القول إن قطيعة حدثت في العام 2007 بين دول الأطلسي؟ وعلى هذا السؤال الصعب الجزم بأي جواب، طالما أن السياسة الفرنسية قد تبدلت منذ عام 1991. ففي ظل حكم الرئيس فرانسوا ميتران التزمت السياسة الفرنسية الخارجية بمواقفها إلى جانب السياسة الأميركية، وتجلى ذلك في وقوفها إلى جانب واشنطن في حربها على العراق، كما وقعت على اتفاقيات دفاعية إلزامية مع عدد من دول الخليج، وتقربت جداً من حلف شمال الأطلسي «الناتو».
وفي ظل حكم الرئيس جاك شيراك ناورت باريس للعودة إلى حلف الناتو، وترجمت ذلك من خلال المساهمة في الحرب على كوسوفو، تلك الحرب التي شنها الناتو على كوسوفو دون تفويض من مجلس الأمن، اضافة إلى ذلك اعترفت فرنسا بأهمية نشر الدرع الصاروخي فوق اراضي اوروبا الشرقية، الذي تسعى إليه الولايات المتحدة، كما واتخذت موقفاً حاداً ازاء المسألة النووية الايرانية.
ومن جانبه، طالب وشدد الرئيس نيكولا ساركوزي منذ وصوله إلى الحكم إلى ضرورة انتماء فرنسا إلى «المجتمع الغربي». ولم يختلف عنه سلفه فرانسوا ميتران بشيء حين أشار عام 1982 بقوله محدداً«الحضارة الغربية التي نطالب بها». هذا وقد شاب العلاقات الفرنسية - الأميركية منـ عام 2008 بعض«التكدر والبرود» المتبادل أكثر من الانحياز الفرنسي غير المشروط باتجاه واشنطن.
أما فيما يتعلق بتيار المحافظين الجدد، فهو حركة ايديولوجية متجذرة في التاريخ الخاص بالولايات المتحدة لا وجود لترجمة له في القارة العجوز، والميزة البارزة الرئيسية له في السياسة الخارجية تتجلى في قضية نشر الديمقراطية. إنما من الصعب تأييد القول إن هذا الاتجاه كان هو الميزة الأساسية لدبلوماسية الأعوام الخمسة الأخيرة! وكل الوعود التي أطلقت من أجل روسيا والصين والعالم العربي لم تتحقق، والاستثناء كان تحقيق هذه الوعود في ليبيا. ولابد من الاشارة في هذا الصدد إلى الدعم الذي يقدمه ساركوزي إلى اسرائيل. حينما أكد الرئيس ساركوزي دعمه ووقوفه إلى جانب اسرائيل لم يكن ذلك سوى التأكيد على عهد اتخذه قبله الجنرال ديغول عام 1967.
وعلى الرغم من ذلك يبدو في الغالب أن موضوع الديغولية - الميترانية هي قناع، لا أكثر، يخفي وراءه مواقف متنازعاً عليها، بين الخطابات والتعويذات التي تضع مديح الكبرياء الوطني هدفاً وحيداً لها«اسلوب استخدمه فيليبان»، وبين المواقف الساخرة تجاه حقوق الانسان تحت اسم «الواقعية» وبين التسامح تجاه الشعوب المزينة بيافطات تثير الشكوك، على غرار«الشارع العربي» أو «الحقد المذهبي» هذا دون الحديث عن السياسة الانتهازية التي تنتهجها فرنسا تجاه افريقيا<.في كافة الأحوال، لا يمكن لمسلمات أي سياسة خارجية كانت محددة ضمن سياق تاريخ معروف وله زمن محدد وهو - موقف فرنسا من الصراع الغربي - الشرقي - أن ترشدنا في تحركنا الدولي في القرن الواحد والعشرين.
إن الجدل حول توجهات سياسة بلادنا الخارجية المستقبلية تكتسب أهمية كبيرة، وبالتالي لا ينبغي مقاربتها من ناحية ايديولوجية مغلوطة.