تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فيتو في مجلس الأمن ...رغم الضغوط على روسيا

عن موقع : Investigation
ترجمة
الأحد 19-2-2012
ترجمة : دلال ابراهيم

تحدثنا في مقال سابق عن حجم الضغوط التي تعرض لها المندوب الروسي في مجلس الأمن لإقناعه بالتصويت على مشروع القرار ضد سورية . ونكمل في هذا المقال الحديث عن تلك الضغوط .

في وقت صرح فيه رئيس مجلس الأمن , المندوب الروسي , في التاسع من شهر كانون الأول أن الضغوط الممارسة عليه من قبل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا( توشك أن تخنقه ) وصل إخطار إعلامي في 16 كانون الأول إلى السلك الصحفي للأمم المتحدة عبر خيرالله فهمي من (تحالف سورية أولاً ) وهي منظمة أميركية ( ليس واضحاً مصدر تمويلها ) يحمل إعلاناً عن يوم الاحتجاج السوري ويدعي أن « النظام السوري يقتل شعبه بدعم من روسيا « ويعلن هذا الإخطار عن تظاهرات للاحتجاج ضد الدعم الروسي للنظام السوري , وجرت تلك التظاهرة في تاريخها المحدد أمام البعثة الروسية لدى الأمم المتحدة . واكتمل النقل في الزعرور في الضغوط على رئيس المجلس بتظاهرات مجموعة ( تحالف سورية أولاً ) أمام بعثة روسيا في الأمم المتحدة , واتهمت الروس في رسالة وجهتها إلى السفير الروسي تقول « معارضتكم داخل الأمم المتحدة لا تدعم فقط النظام , إنما تعرقل كل المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري اليائس , الذي يعيش تحت البرد القارس والمجاعة ودون لوازم طبية « والرسالة التي تشير إلى مقتل 5078 سورياً لا تشير إلى مقتل 1000 عنصر من الشرطة وحفظ النظام على يد جماعات المعارضة المسلحة , وهو رقم أقرت به السيدة بيلاي ,مفوضة حقوق الإنسان .‏

في 22 كانون الأول اضطر رئيس مجلس الأمن إلى الدفاع عن إدراجه ضمن جدول أعمال مجلس الأمن عن شهر كانون الأول النقاش عن انتهاكات حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني وكذلك حول قضية مقتل المدنيين الليبيين على يد حلف الناتو . وبديهياً أن مجموعة الولايات المتحدة / الناتو طرحت أن يتم فقط إدراج المسألة السورية على جدول أعمال مجلس الأمن .‏

ومن جانبها صرحت المندوبة الأميركية سوزان رايس في 22 كانون الأول وقد استشاطت غضباً بسبب إشارة مجلس الأمن بأصابع الاتهام إلى مقتل 70 مدنياً ليبياً من جراء قصف الولايات المتحدة والناتو لليبيا قائلة « نرحب بتلك المبالغات , كنت مؤخراً في ليبيا , وقد أعرب الشعب الليبي عن امتنانه للمساعدة الكبيرة التي قدمها له حلف الناتو « وأغفلت السيدة رايس عن لقاء مصطفى ناجي المرابط , واحد من بين العديد من الضحايا الآخرين الذين دمر الناتو منازلهم وقتل أفراد عائلاتهم . ووفق ما تقوله صحيفة نيويورك تايمز « في 4 آب انفجرت قنبلة في الصباح المبكر وضربت منزل المرابط وأدت لانهيار واجهته , وأصابت العائلة ما بين قتيل وجريح « وكذلك أشارت الصحيفة إلى استهداف مبنى يسكنه مدنيون راح ضحيته 18 مدنياً , وقد أثارت تلك الحادثة تساؤلات حول مشروعية هذه الضربات بموجب القانون الإنساني الدولي , وفقاً لما ذكره مسؤول قريب من التحقيق الذي تجريه الأمم المتحدة.‏

في 23 كانون الأول عقد رئيس مجلس الأمن مؤتمراً صحفياً وصف فيه خطاب السفيرة رايس بالخطاب ( المتفجر على نحو غير عادي ) في ردها على طرح قضية قتل الناتو للمدنيين . وأكد على أهمية الرد على هيجان السفيرة رايس التي غرقت في إساءة استخدام اللغة , على حد قوله , كما وصف الكلمات التي استخدمتها المندوبة رايس في 22 كانون الأول في النقاش حول هؤلاء الضحايا بأنها ( تفخيم الكلام والادعاءات الكاذبة والخدع الرخيصة والمكر والإسهاب والاستفاضة ), . وأشار المندوب الروسي بعد ذلك ساخراً أنه « لا يمكن التغلب على ما تربو عليه في ستانفورد, أتعلمون ذلك ؟»‏

وصرح المندوب الروسي أنه لم يدرج في مجلس الأمن أي طلب بالتحقيق في قضية ضحايا قصف الناتو من المدنيين الليبيين , وأن المسألة قد تم تجاهلها كلياً . وأعاد أمام الصحافة أن الرئيس اوباما كان قد صرح أنه يرغب في إجراء حوار مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن , مضيفاً أنه وفي تلك الحالة ينبغي ( استبدال قاموس الكلمات النابية لستانفورد بقاموس فكتوري أرفع )‏

وأوضح المندوب الروسي في معرض رده على سؤال حول مسألة تدهور علاقات العمل بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن في ظل جو يسوده التوتر عن شعوره بالقلق في ألا يتطور عمل المجلس في الاتجاه الصحيح وأن هناك أعضاء لا يتمتعون بالمرونة ويطالبون بأن تسير الأمور حسبما يرغبون ولا يأخذون في اعتباراتهم وجهات النظر الأخرى ويريدون تحقيق ما يريدون مباشرة , وهذا يضر بقدرة المجلس على العمل والتحرك . وأكد أن سعي المجلس لإنهاء العنف في سورية لا ينبغي أن يكون ( سنداً لتغيير النظام السياسي ) كما اتضح من القرار رقم 1973 حول ليبيا . وقال إن تغيير النظام بالقوة من الخارج مدمر لا محالة ويؤدي إلى سفك الدماء , الأمر الذي ينبغي أن تتفاداه الأمم المتحدة ومجلس الأمن . وأضاف أن « روسيا تقدمت بمشروع قرارها حول سورية وأننا لن نمرر في ظل صمت العنف الذي تمارسه المعارضة الخارجية ولن ندعو إلى فرض عقوبات أو حصار على توريد الأسلحة , لأن الحصار على توريد السلاح في ليبيا انعكست آثاره على الحكومة لأن السلاح كان يتدفق إلى المعارضة بشكل غير شرعي عبر عدة مصادر.»‏

وبقي مصير مشروع القرار الروسي غير محدد . ولغاية ذلك الحين أجريت تعديلات وحذوفات بناء على طلب الولايات المتحدة ودول الناتو لكي يصبح لا ملامح له , تماماً عكس الهدف منه . ومشروع قرارهم الحالي كان يتضمن : « وإذ يشدد على ضرورة حل الأزمة السورية سلمياً ومشدداً على أن القرار لا يتضمن أي إشارة إلى اضطرار الدول على اتخاذ خطوات أو إجراءات تتجاوز إطار هذا القرار ومن بينها استخدام القوة أو التهديد فيها».‏

وحذفوا من مشروع القرار الروسي الأصلي فقرة ( استبعاد أي تدخل أجنبي من الخارج )‏

( ضرورة أن تتحمل الحكومة السورية مسؤولياتها في حماية السكان , ووضع حد فوري للهجمات ضد أولئك الذين يمارسون حقهم في حرية التعبير والتظاهر السلمي والاحترام الكامل لالتزاماتها بموجب القانون الدولي المعمول به )‏

وحذفت من مشروع القرار الروسي الأصلي « مطالبة جماعات المعارضة المسلحة وقف انتهاكات حقوق الإنسان والهجمات الإرهابية ضد المدنيين ومؤسسات الدولة والموظفين وعناصر وعائلات العسكريين وقوات حفظ النظام ».‏

حذفت من مشروع القرار الروسي الأصلي « حث المعارضة على أن تنأى بنفسها عن المتطرفين , لقبول مبادرة جامعة الدول العربية والدخول في حوار موضوعي دون شروط مسبقة مع السلطات السورية بخصوص الإصلاحات ».‏

وقد طالبت الولايات المتحدة بالتعديلات التالية :‏

حظر سفر وتجميد أصول لتسعة عشر مسؤول سوري محدد وتجميد أصول الحكومة السورية , ومن بينها المصرف المركزي السوري والمصارف التجارية السورية . حظر التبادلات التجارية الحكومية مع سورية , باستثناء المنتوجات الاستراتيجية التي تؤثر بالشعب السوري . حظر الطيران من وإلى سورية . حظر على الأسلحة .‏

وقد حذفوا من القرار الروسي الأصلي « الجزم أن أياً من مواد القرار لا يجوز تفسيره على أنه تفويض بتدخل عسكري بأي شكل في سورية من قبل أي جهة كانت».‏

وفي عودة إلى الماضي , نذكر أنه في 17 آذار العام المنصرم تبنى مجلس الأمن القرار رقم 1973الخاص بليبيا وتبعه فوراً قصف الناتو لها . وفي اليوم التالي أي في 18 آذار شهدت سورية مظاهرات . وكتبت صحيفة واشنطن بوست في عددها بتاريخ 18 نيسان تقول :» تقدم الولايات المتحدة دعماً سرياً للمعارضة السورية . وكشفت البرقيات المسربة التمويل , حيث مولت الخارجية الأميركية جماعات المعارضة في سورية والمشاريع ذات الصلة , بما في ذلك قناة بردى التلفزيونية , وقدمت لها مبلغ 6 ملايين دولار لتشغيلها وتمويل الأنشطة داخل سورية . وكانت جماعات من المعارضة في الخارج تتلقى أموالاً من إدارة ما يسمى ( مبادرة الشراكة في الشرق الأوسط ) أو عبر ما يدعى مجلس الديمقراطية ومقره لوس أنجلوس .‏

تنتهج الولايات المتحدة في مشاريع التمويل وزعزعة استقرار الحكومات المستقلة في العالم نفس النموذج المستخدم عبر تاريخها الطويل , أي منذ الإطاحة بحكومة مصدق الديمقراطية في إيران عام 1953 , وزعزعة وقلب حكم رؤساء منتخبين ديمقراطياً مثل اربينز في غواتيمالا وخوان بوش في الدومينيكان وغولارت في البرازيل وسوكارنو في أندونيسيا وألينيدي في التشيلي – ونذكر تصريح كيسنجر الشهير ( لا يمكننا السماح في أن تصبح تشيلي شيوعية بسبب عدم المسؤولية التي يتصف بها شعبها » وفي كل الأحوال , لقد حل محل هذه الحكومات المنتخبة ديمقراطياً وغير المرتهنة للمؤسسات الأميركية أنظمة ديكتاتورية عسكرية اعتمدت التعذيب ووضعت اقتصاديات بلادها تحت رحمة الشركات المتعددة الجنسيات واستنزاف شعبها .‏

وينذر النموذج الحالي الناشىء في الشرق الأوسط بتطورات مثيرة للقلق ضمن مسار أصبح واضحاً . وقد أجاز مجلس الأمن من خلال فقرة (اتخاذ كافة التدابير الضرورية ) المنصوص عنه في القرار رقم 1973 شن عدوان امبريالي دموي لا يمكن القبول به . في عددها تاريخ 21 أب جاء في نيويورك تايمز « لقد أصبح التنسيق بين الناتو والمتمردين الليبيين وبين المجموعات المتمردة غير المنظمة مع بعضها أكثر تطوراً وفتكاً في الأسابيع الأخيرة , على الرغم أن تفويض الناتو كان بهدف حماية المدنيين وعدم الانحياز إلى فريق ضد الآخر . وفي نفس الوقت نشرت كل من بريطانيا وفرنسا ودول أخرى قوات خاصة في ليبيا للمساعدة في تدريب وتسليح المتمردين .»‏

وكان روبرت درايفوس قد وصف إسقاط حكومة مصدق الإيرانية بالتفصيل في كتابه ( لعبة الشيطان : كيف ساعدت الولايات المتحدة على إطلاق عنان الإسلام الأصولي)‏

« أقدم رئيس الوزراء مصدق على تأميم الشركة النفطية الأنكلو- إيرانية , وكانت تلك بمثابة الضربة الكارثية على انكلترة , نظراً لأن هذه الشركة كانت مصدر سعد وفرح أثرياء بريطانيا . وأصبح مصدق فوراً الشخص المكروه من قبل لندن . وتتكرر قصص الانقلابات التي تقودها وكالة الاستخبارات الأميركية والبريطانية مراراً , وقد تعاونت أجهزة استخبارات البلدين بشكل وثيق مع رجال الدين في إيران , بهدف إضعاف وإسقاط حكومة مصدق . ولعبت الحشود الجماهيرية في الشارع دوراً جوهرياً من خلال شرائها والدفع لها من قبل الوكالة الأميركية , وحشدهم وحركهم مثيرو الشغب المرتبطون برجال الدين الذين طالبوا باستقالة رئيس الوزراء مصدق وعودة الشاه . وكان أية الله كاشاني الممثل الرئيسي للإخوان المسلمين في إيران الشخصية المحورية في تلك الحملة .»‏

في حال تبنى مجلس الأمن أي قرار يمكن أن يتحول إلى تصريح ( لاتخاذ جميع التدابير اللازمة ) ليتم استخدامه في تبرير عمل عسكري لفرض تغيير النظام في سورية سيكون متستراً خلف ورقة توت ( حقوق الإنسان ) للشعب السوري بعد إدخاله في حرب أهلية من مشجعي المعارضة التي تم تصنيعها في الولايات المتحدة والناتو . وهذا يتعين أن يؤدي , كما الحال في ليبيا إلى ( تنسيق بين الناتو والمعارضة) الأمر الذي سيقضي على آخر حاجز في وجه المخططات الإمبريالية للولايات المتحدة والناتو , وهذا من شأنه أن يطلق العنان إلى الأوهام المرضية لبسط الهيمنة العالمية الأثيرة على قلب بريجنسكي وصانعي السياسة الأميركية . كما وإن ابتعادهم عن الواقع وارتكابهم أخطاء قاتلة سبقهم إليها نابليون وهتلر يثبت إصابتهم بالهذيان . وتبني مثل هذا القرار سيدفع هذه القوى , وهي في حالة نشوى إلى البحث عن قرار يجيز عملاً عسكرياً ضد إيران .‏

تمتلك كل من إيران وليبيا وسورية مخزوناً نفطيا ولا تمتلك أسلحة ذرية . ويمكن لأي عمل عسكري ضد إيران أن يشعل حريقاً هائلاً يصعب السيطرة عليه يمتد إلى الدول النووية , ومن الصعب تحديد أو الكبح من مساره منذ اندلاعه . ونهاية مساره سيكون روسيا التي تمتلك مخزوناً من الغاز والنفط يثير لعاب الغرب عليه . ولكن وعلى خلاف مغامرات نابليون وهتلر في عصر ما قبل الذرة , فإن روسيا تمتلك الآن أسلحة نووية ومحاطة بدول الناتو المعادية لها وتواجه تهديدات الدفاعات الصاروخية لحلف شمال الأطلسي . وبالتالي فإن روسيا المهدد وجودها الآن تخلت عن مذهب الاتحاد السوفييتي في ( عدم البدء باستخدام السلاح النووي )‏

وإن صمدت روسيا في وجه الضغوطات المتزايدة عليها واستمرت في منع صدور أي قرار من مجلس الأمن يبيح ( اتخاذ إجراءات ضرورية ) ضد سورية , فهذا هو الوقت المناسب لتحرم منظمة الأمم المتحدة من دعم مجلس الأمن ويصبح عاجزاً على الرغم من أنه يعمل وفقاً ( لإرادة المجتمع الدولي) ولا بد وأن تستنفد القوة النفسية للولايات المتحدة وحلف الناتو , كما استنفدت قوة نابليون في معركة بوردينو عام 1812 وهتلر في ستالينغراد عام 1943 . لقد سدت الدروب نحو حرب عالمية ثالثة, وسوف يتم استبدال مجلس الأمن الدولي من وضعه الحالي كأداة للحرب .‏

 بقلم كارلا ستيا - صحفية معتمدة لدى مجلس الأمن‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية