ففي 30 اذار من عام 1862 نشرت دار لاكروا الجزء الأول من البؤساء في بروكسل في حين لم يصدر هذا الجزء في باريس الا في نيسان من العام المذكور عند دار بانيير.
اليوم يتابع الأديب والناقد الفرنسي جون مارك هوفاس وهو من أهم كتاب سيرة هيغو الذاتية دراساته حول الشاعر التقدمي الرومنسي حيث من المتوقع أن ينشر الجزء الثالث في العام 2015 بعد أن حمل الجزء الأول عنوان «عشية المنفى1851» الذي صدر عام 2001 ثم الجزء الثاني «هيغو في المنفى» 1851-1864 وصدر قبل خمس سنوات من الان عن دار فايار.
لكن مالذي تخفيه هذه الرواية وكيف تعرضت لأشهر الحملات النقدية الشرسة في الأمس واليوم ؟
يرى عدد من الدارسين أن الاستطراد والحشو لحق بالبؤساء وحبكتها لأنها تقدم سردا تفصيليا عن معركة واترلو التي سجل خلالها نابليون بونابرت اندحارا كبيرا أمام جيوش نيلسون البريطانية وكان هيغو من عشاق الامبراطور،كذلك الأمر بالنسبة لوصف الرواية المفصل لـ ديربيكبوس هذا ماوجده الأديب الفرنسي باربي دوريفيلي صاحب رواية الشيطنة حيث يقول: هناك استطراد لا فائدة منه على غرار مافعل الروائي فلوبير صاحب مدام بوفاري والذي اعتبر البؤساء مدحا لما يسمى بالكاتوليكية الاشتراكية في حين وجدت زميلتهما جورج صاند في هذا العمل الرائع تشهيرا في قوات حفظ الأمن يومئذ.
لكن ماذا بالنسبة لمشهد لقاء كوزيت وجان فالجان أو موت فانتين التي تهز المشاعر بل تبكي الحجر ؟ولماذا تتعرض هذه الرواية للنقد ؟
هل لأنها تجمع عبقرية فنية وابداعاً في الأسلوب أثار الحساد من كل حد وصوب على هيغو وماهو أسم كوزيت الحقيقي وكيف اقتبس تلك الشخصية من الواقع ؟
ان اسم بطلة البؤساء هو افرازي وهي الفتاة الصغيرة التي لا تزال تبكي الملايين على المسارح في نيويورك والبرودواي حيث تعرض الرواية مسرحيا منذ أكثر من عشر سنوات دون انقطاع وفي صالات الشاشة الفضية والمسلسلات التلفزيونية وكانت قد تناولتها السينما منذ عهد الاخوين لوميير عام 1897.
وفي العام 2008 نظمت دار فيكتور هيغو معرضا حمل عنوان «البؤساء لاتزال رواية مجهولة».
لقد شغلت الضمير الجماعي في العالم من خلال اثارة مشاعر الناس بالفقر والجوع الذي كان يعاني منه أبطال البؤساء ففي عام 1845 تعرض هيغو لدى صحبته لصديقته ليوني لملاحقة الشرطة له بتهمة ممارسة الزنى وكان عمره يومذاك 43عاما فنقل تلك الواقعة الى رواية البؤساء كذلك الأمر بالنسبة لمعركة واترلو والمتاريس التي كانت تملأ شوارع باريس عام 1832 والأحداث التي عاشتها شخصيات الرواية المئة علما أن أحداث الرواية تغطي المرحلة الممتدة مابين 1794-1833 ثم انخرط هيغو في ثورة 1848 لتتلو تلك المرحلة رحلته الى المنفى حين اصبح يستشير محضري الأرواح بعد أن فقد ابنته البكر التي ماتت غرقا عام 1843 وكان يؤم مجالس محضري الأرواح ليتحدث الى ابنته الغالية وقد أوحت له تلك الجلسات الروحية بمتابعة البؤساء فتابع تسجيل فصول الرواية خلال لقاءاته مع عشيقته جولييت في دير بيكبوس حيث التجأت كوزيت وفالجان واختبأا.
وفي تلك المرحلة يأتي ناشر من بلجيكا يدعي ألبير لاكروا ليوقع عقدا خاصا مع هيغو لنشر الرواية وليدفع له يومذاك 240ألف فرنك فضي مايعادل اليوم 600ألف يورو وكانت صفقة القرن حيث عرف هيغو أول مرة في حياته «البحبوحة» بعد ضائقة مالية خانقة عاشها منذ طفولته وليدفع لابنته الثانية أديل خمسين ألف فرنك لزواجها.
وانتشرت رواية البؤساء بسرعة البرق في كل من لشبونة ولندن وروما وموسكو وريودي جانيرو باللغة الفرنسية كما ظهرت على الهامش خمسة اصدارات قرصنة وبيع في تلك المرحلة 100ألف نسخة وهو رقم قياسي في ذلك العصر ويوم ظهر الجزء الثاني في 15 أيار عام 1862 اجتمعت الجماهير منذ الصباح الباكر وأصحاب المكتبات أمام مطابع بانيير بهدف الحصول على نسخة وقد ساهمت تلك الحشود بالدعاية لهذا العمل وبعد اثني عشر عاما من وفاة هيغو انتقلت رائعته الى السينما ليتجاوز عدد العروض السينمائية الخمسين كذلك الامر بالنسبة للمسرحيات التي عرضت الرواية بلغات عدة من الانكليزية الى اليابانية الى الروسية والاسبانية....
فبقيت البؤساء من أعظم الاعمال الأدبية العالمية بعد 150عاما من كتابتها.