حتى ولو كانوا أقرب الناس إليهم!
في مراحل النمو المبكرة، تظهر لدى الأطفال درجات خفيفة من المشاكسة يمكن قبولها، فمن الطبيعي أن يشعر الطفل بأنه شخص يتمتع بكيان وذات مستقلين ما يكسبه صفات التفرد والشجاعة والاستقلالية.. وهناك مرحلتان يبرز خلالهما سلوك المشاكسة والعناد كعلامات للنمو الطبيعي... وذلك على الشكل التالي:
- المرحلة الأولى: وتمتد من سن الثمانية عشر شهراً إلى الأربعة والعشرين شهراً.. وذلك حين يبدأ الصراع بين الطفل والأم، بسبب رغبة الأم ومحاولاتها تدريب الطفل على الاعتماد على نفسه في تناول الطعام وارتداء الملابس وتنظيم اللعب.
- المرحلة الثانية: تستهل منذ سن الدخول إلى المدرسة، وتمتد حتى المراهقة، حين يبدأ الطفل في تأكيد ذاته واستقلاليته عن أسرته، وتظهر خياراته المختلفة عن خيارات الوالدين لهذه المرحلة التطورية هادئة ومتفهمة فإن الأمور تسير بسلام، وتخف حدة السلوك المشاكس شيئاً فشيئاً مع الوقت..
أما إذا كانت الاستجابة غاضبة وعنيفة ومبالغاً فيها، فتظهر الدرجات المرضية من العناد والمشاكسة.
وهناك أسباب مسؤولة لهذا الطبع، إذ يميل بعض الأطفال بحكم تركيبهم الفيزيولوجي والنفسي إلى الإرادة القوية وتأكيد الذات والتصميم على الخيارات الشخصية، يحصل الصراع حين يصر والدا هذا الطفل على تأكيد سلطتهما وسيطرتهما.. وينشأ السلوك المشاكس نتيجة لإثبات الذات أو التعرض لمشكلات سلوكية نفسية أو عاطفية بسبب الإصابة بمرض أو إعاقة أو انفصال الوالدين وهو نوع من الدفاع عن النفس حيال قلة الحيلة أو فقدان تقدير الذات أو شعور الطفل بأنه غير مرغوب فيه... ويمكن أن يكون الطفل مشاكساً بسبب الدلال أو الاهتمام الزائد من قبل الأم، ويظهر هذا السلوك بوضوح ضمن العائلات التي تفتقد إلى أدنى سيطرة على تصرفات أولادها.
توضح الدراسات أن سمات المشاكسة تنتشر لدى 16٪ إلى 22٪ من أطفال المدارس. ورغم أن هذا السلوك يبدأ في سن مبكرة، إلا أنه غالباً ما يتبلور في سن الثامنة وينتشر هذا الاضطراب في صفوف الذكور أكثر من الإناث قبل البلوغ... أما بعد البلوغ فيتساوى الجنسان ويسبب هذا الاضطراب خللاً إكلينيكياًَ واضحاً في النواحي الاجتماعية أو الدراسية أو الوظيفية، ويمكن اعتبار الطفل مشاكساً عندما يتخذ سلوكه نمطاً من السلبية والعدوانية وتشتت الذهن لفترة لا تقل عن سنة وعدة أشهر، وفي هذه الفترة غالباً ما يتبدل مزاجه بسهولة، كثير الانفعال وسريع الغضب، يجادل الراشدين، ولا يدع كلمة دون تعليق عليها بصورة سلبية، يتحدى ويرفض أوامر الآخرين بشكل دائم، يغلب على تصرفاته تعمد فعل الأشياء التي تضايق الآخرين، يلوم الجميع على أخطائه ويحملهم مسؤولية مشكلاته وغالباً ما يستفز الآخرين ويضايقهم وكثيراً ما يغضب ويعاند دون أسباب واضحة... حقود ومحب للانتقام.. لديه الكثير من مشاعر الكره والجحود لمن حوله، يصف الآخرين بأوصاف رديئة ويستخدم ألفاظاً سوقية، يثير الفوضى دائماً في المدرسة، ويجيب بأسلوب فظ ويتعامل بعنف مع زملائه.
طرق العلاج
إن إرغام الطفل على الطاعة ليس فضيلة بل إن المرونة والسماح في تقبل رأي الطفل ومناقشته في جو يسوده الحب والدفء العاطفي تحول بين الأطفال والمشاكسة المرضية، أما العناد البسيط فيجب أن نغض الطرف عنه، ونستجيب فيه لرغبات الطفل ما دامت لن تضره وفي حدود المعقول، وبذلك نعطي للطفل نموذجاً للمرونة في التعامل... ليعلم أن الإنسان كائن مفكر ومرن يتقدم حين يكون التقدم مطلوباً، ويتراجع حين يكون التراجع أفضل..
وإن التعامل الحكيم من الأهل يجعل الطفل أكثر اطمئناناً... فيتعلم أن المشاكسة ليست هي الأسلوب الأمثل للتعايش مع الآخرين... بل إن المجتمع سينبذه إذا استمر على هذا النحو... وإذا عجز الأهل عن احتواء هذا السلوك وتقويمه، فيمكن الاستعانة باختصاصي نفسي يقوم بتعليم وتوجيه الوالدين إلى طرق التعامل الصحيحة معه.