الحكام في واشنطن والرياض كانوا قد طلبوا من باكستان والعراق البدء بوساطة مع طهران للتخفيف من حدّة التوتر وكان الرد الإيراني واضحاً: كل الهجمات يمكن التصدي لها، لكن طلبها الوحيد سيظل على حاله، وهو رفع كل العقوبات وهذا ما يعني عودتها إلى طاولة المفاوضات.
لكن هذا ليس ما يتمنّاه حقاً الرئيس ترامب وحلفاؤه «الإسرائيليون»، فالاتفاق على الموضوع النووي ليس هو الرهان الحقيقي، لأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية كانت قد حصلت على الإذن المطلوب لدخول المنشآت النووية الإيرانية وأقرّت مرات عديدة أن البرنامج النووي الإيراني لا يتجه نحو صناعة أسلحة نووية لكن ترامب و»إسرائيل» يدّعيان استهداف نقطتين أساسيتين هما: برنامج إيران الصاروخي وحلفائها في لبنان وسورية وفلسطين وأفغانستان، وقد اعترفت الولايات المتحدة بصراحة أن إيران قوة إقليمية راسخة ومعترف بها، وما ترغب به هو تقليم أظافرها.
عندما وقّع الرئيس باراك أوباما الاتفاق النووي الإيراني، هذا لأنه أدرك أن عقوباته ضد إيران كسابقيه من الرؤساء الأميركيين لم تؤد إلى نتيجة، والاتفاق الذي كان يتفاوض عليه يستهدف تأخير أي برنامج نووي إيراني محتمل من15 إلى 20 عاماً، وكان يريد أيضاً التفاوض حول برنامج إيران الصاروخي، فالقادة الإيرانيون أبقوا على الملف النووي في إطار النقاش ولا شيء سواه، وقد جرى التفاوض بين طرفين لا يثق أحدهما بالآخر، لكن في الوقت عينه كل ما تمكّنوا من فعله هو»تسوية» نقاط الخلاف والنزاع.
اعتقد ترامب أنه يستطيع «ليّ ذراع» إيران بممارسة «أقصى الضغوط» وفرض عقوبات قاسية لإجبار قادتها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات لمناقشة قضيتين أساسيتين، أبلغت إيران الوسطاء الذين يسعون لحل الموقف بأنها على استعداد لوضع حدّ نهائي لبرنامجها الصاروخي إذا ما جرّد العالم «إسرائيل» من كل قنابلها النووية، وإذا ما تخلّى كل بلد في المنطقة عن برنامجه الصاروخي، وإلا فإن إيران لن تتخلى أبداً عن برنامجها الصاروخي المطوّر الذي يمكّنها من الدفاع عن نفسها ضد أي هجوم أو انتهاك لمجالها الجوي، كما حدث على سبيل المثال في إسقاط الطائرة الأميركية المسيرة هذا الصيف، ولا تجد إيران حرجاً في دعم حلفائها في فلسطين ولبنان وسورية والعراق وأفغانستان، لأن الدعم الذي تقدّمه لهم هو جزء لا يتجزّأ من إيديولوجيتها ودستورها ووجودها نفسه.
وقد أكد هذا الأمر أصحاب القرار في إيران :»إذا توقفنا عن دعم فلسطين، فإن «إسرائيل»ستضمّ الضفة الغربية وتشطب غزة عن الخارطة على مرأى ومسمع العالم كلّه متذرّعة بحق «إسرائيل» في الدفاع عن نفسها، وإذا لم نواصل دعم حزب الله في لبنان، ستقدم «إسرائيل» على سرقة مياه والأراضي الحدودية المتنازع عليها والقيام باجتياح لبنان كما يحلو لها، والجيش اللبناني غير مسموح له الحصول على أسلحة ردعية لمنع مئات الانتهاكات شهرياً للسيادة اللبنانية من قبل «إسرائيل».. جميع هذه البلدان كانت ستسحق تحت وطأة الهيمنة الأميركية وتخضع لرغبات «إسرائيل» وغطرستها.
ما لا يريد أن يفهمه ترامب أن البرنامج الصاروخي في إيران يمثل الذراع الأيمن، وحلفاؤها الذراع اليسار، وكما الجسد الكامل لا يمكن أن يعيش وعضو من أعضائه مبتور، كان من الطبيعي أن ترفض إيران أي مفاوضات تستهدف ذلك، فإيران لا تريد أن تتحوّل إلى «نمر من ورق» كما تسعى «إسرائيل» والولايات المتحدة.
لقد طغى جو من الحذر والريبة المتبادلة بين إيران والولايات المتحدة، فـ»ترامب» غيّر رأيه في الكثير من الاتفاقات، وأظهر عداءً شديداً منذ توليه الحكم، بين حلفائه وخصومه، كثيرون كانوا يفكرون ملياً البعض بقطع أي علاقة لهم بالولايات المتحدة، بعدم استخدام عملتها النقدية (الدولار) أو عدم التصالح معها، فالولايات المتحدة لم يعد ينظر إليها على أنها الشريك النزيه في السلام لجملة أسباب:لأنهم أعطوا ما لا يملكون (مرتفعات الجولان والقدس)، وسياستها الخارجية المتقلبة بسبب قلة خبرة رئيسها وكذلك عدم توافق مستشاريه الذين يقودون البلاد، إنها الولايات المتحدة التي ألغت الاتفاق النووي والتي فرضت عقوبات قاسية بحق إيران، كل ذلك من أجل تأجيج التوترات ودفع المنطقة إلى حافة الهاوية.
إنه لمن الصعب على ترامب رفع العقوبات، لأن ذلك سيظهره بمظهر المهزوم هو وحلفاؤه، وستبدو إيران منتصرة، ما يعني أن كل ما فعله ضد إيران في غضون السنوات السابقة ذهب أدراج الرياح، كما أن أعداءه السياسيين سيستغلون ذلك لإحراجه وهو الساعي لإعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية، فإيران لن تتخلى عن برنامجها الصاروخي، ولا عن حلفائها.
إن الوضع لن يتغير والضغوط ستستمر بالتصاعد في الشرق الأوسط، اللهم إلا إذا سحب ترامب إصبعه عن الزناد وسمح لإيران بتصدير نفطها، والمبادرة التي ستسمح لـ «ترامب» بالنزول عن الشجرة التي صعد إليها غير موجودة، وبالتالي لن تكون إيران مرغمة على التخلي عن برنامجها النووي وحلفاؤها معاً، إن ترامب وحلفاءه قطعوا الطريق على أنفسهم.