وضمن سياق تغيير في سياسة الحرب الأميركية البيت الأبيض يعطي الضوء الأخضر لاعتداء تركي في شمال شرق سورية بعد تخليه عن قوات قسد الذين تعتبرهم تركيا إرهابيين يجب سحقهم ومع موافقة الإدارة الأميركية بدأت الحكومة التركية في قصفهم في الشمال السوري.
واشنطن وأنقرة اتفقتا على المنطقة التي تشغلها قسد بعمق 30 كم وطول 480 كم على طول الحدود التركية - السورية لتضع فيها أنقرة بالقوة حوالي مليونين من أصل 3,6 ملايين لاجىء سوري كانوا قد هربوا إلى تركيا خلال ثماني سنوات حرب يخوضها الناتو بالوكالة في سورية هذا وتهدد تركيا بمتابعة توغلها في المنطقة إذا اقتضى الأمر.
القوات الأميركية تنسحب من جزء تشكل مساحته حوالي 100 كم من الحدود بين تل أبيض ورأس العين لتسمح للقوات التركية بالهجوم عبر هذه المسافة في غضون ذلك تشير وسائل الإعلام أنه على ضوء التهديدات الموجهة من أنقرة بتوغل أكبر فإن القوات الخاصة البريطانية والأميركية تتحضر منذ أشهر لانسحاب جزئي أو كلي من المنطقة إذا ساء الوضع.
قوات قسد التي لا تمتلك سوى 60 ألف مقاتل مقابل 402 ألف من المقاتلين الأتراك المدججين بالسلاح قالت أنها تلقت ضمانات من الولايات المتحدة بأن الأخيرة لن تسمح بأي عملية عسكرية تركية في هذه المنطقة لكن واشنطن وبعد أن دعمت وسلحت قسد في مواجهة الدولة السورية هاهي الآن تنسق مع أنقرة لسحق حلفائها إلا أن توغل تركي في الأراضي السورية مدعوم من الولايات المتحدة سيشكل تصعيداً كبيراً للعنف في منطقة تنزف منذ عقود بسبب الاحتلال الإمبريالي وحروب بالوكالة منذ الحرب التي قادتها الولايات المتحدة ضد العراق عام 1991 إلى حروب الناتو في ليبيا وسورية كما يأتي ذلك بعد أشهر قليلة فقط على إلغاء ترامب ضربات جوية ضد إيران انتقاماً من القوات الإيرانية التي أسقطت طائرة أميركية دون طيار في الأجواء الإيرانية كما أنه مع الوجود الروسي والإيراني في سورية فإن خطر التصعيد العسكري من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الوضع علماً أن تركيا وروسيا كان لهما موقف مشترك حول ضرورة سلامة الأراضي السورية وكان الناطق باسم الكرملين ديمتري ديسكوف قال: « نتمنى من أصدقائنا الأتراك أن يلتزموا بهذا الموقف في جميع الأحوال » . إن واقع خيانة واشنطن لحلفائها الأكراد هو درس آخر مّر في إخفاق قسد باستراتيجيتها الهادفة إلى بناء كيان خاص بها في الشرق الأوسط الذي يتوزع في تركيا وسورية والعراق وإيران.
وتاريخياً فإن قوى كردية التي تبنت خطاباً اشتراكياً كانت قد سعت في كثير من الفرص لتقديم برنامجها عن طريق التحالف مع قوى مختلفة إمبريالية وبورجوازية بدءاً من CIA إلى شاه إيران إلى اسرائيل مروراً بتوجيه النداء إلى البيروقراطية الستالينية في موسكو ولم ينتج عن ذلك سوى سلسلة من الخيانات والخيبات، فغداة الغزو الأميركي للعراق عام 2003 دعمت أحزاب الكرد في شمال العراق الاحتلال الأميركي وبعد أن هزمت الدولة السورية بمساعدة روسيا وإيران الجماعات المسلحة المرتبطة بالقاعدة أصبحت وحدات حماية من الشعب الكردي (YPG) القوة الرئيسية الوكيلة عن واشنطن في تدخلها المباشر في سورية باسم الحرب ضد داعش في العراق وسورية.
وهذا لم يورط فقط الميليشيات الكردية في جرائم حرب أميركية في تلك المنطقة إنما أثار أيضاً نزاعات شرسة بين واشنطن و النظام التركي.
تاريخياً أنقرة اضطهدت الأكراد وقادت حرباً أهلية دموية استمرت عشرات السنين ضد حزب العمال الكردستاني خشية من دعم إقامة دولة كردية وأن ذلك سيثير مشاعر الانفصال الكردية داخل الأراضي التركية ثم اصطدمت أنقرة بسياسة واشنطن في شمال سورية ومنذ أن دعمت واشنطن وبرلين حركة الانقلاب الفاشلة عام 2016 للإطاحة بنظام أردوغان بلغت هذه الصراعات حدة غير عادية .
وفي كانون الماضي أعلن ترامب انسحاب بعض الآلاف من الجنود الأميركيين الذين يعملون مع قوات قسد في سورية لكن قراره ألغي من قبل البنتاغون وأثار موجة من انتقادات الجمهوريين والديمقراطيين في واشنطن وبالنتيجة بقيت القوات الأميركية في سورية وبقي النزاع بين واشنطن وأنقرة حول هذا الموضوع.
الآن ترامب يعقد اتفاقاً آخر مع أردوغان في الوقت الذي تبلغ أزمته مع إدارته الداخلية ذروتها وبعد أن ألغى ترامب الضربات ضد إيران وأزاح واحداً من أشد أنصار الحرب على إيران جون بولتون يجد نفسه الآن مستهدفاً من طبقة القيادة ومؤسسة السياسة الخارجية التي يقودها الحزب الديمقراطي كما أن الأزمة الناجمة عن أوامر ترامب بالانسحاب من سورية تعكس النزاع الحاصل وردود الفعل على السياسة الخارجية التي تتضمن حملة العزل ضده وقد أثار الأمر إدانات كبيرة من قبل معارضي ترامب حتى من بعض أنصاره الجمهوريين مثل السيناتور غراهام و بريتت ماك غورك الذي استقال من منصبه كمنسق للسياسة الأميركية فيما يخص داعش احتجاجاً على أوامر الانسحاب عام 2018 حيث وصف الأمر بأنه هدية إلى روسيا وإيران.
اليوم يدعم ترامب السياسة الإجرامية لأنقرة خاصة في خطتها لوضع ملايين اللاجئين على الشريط الحدودي والتهديد بخلق نزاع طويل الأمد بينهم وبين الأكراد المحليين.
سورية التي ترفض كل أشكال العدوان الخارجي على أراضيها وضحت في بيان لوزارة الخارجية حرصها على التصدي للعدوان التركي وأنها مستعدة لاحتضان هؤلاء الذين «خانوها «علماً أنهم يتحملون المسؤولية نتيجة ارتهانهم للمشروع الأميركي ولكن دمشق تتعامل بسياسة الدولة وليس سياسة الانتقام.