بهذه الكلمات بدأ المحلل السياسي الروسي اندريه فورسوف مقالته في جريدة روسيا اليوم مدركاً ببصيرة ثاقبة طبيعة المعركة الدائرة في المنطقة والدور الاستراتيجي لسورية ونظامها السياسي بالنسبة للقوى الدولية ومستقبلها السياسي على المسرح الدولي وسر محاولة استقطابها من قبل الاتحاد الروسي من جهة وراعي البقر الأمريكي من جهة أخرى وإن اختلفت الأهداف والغايات فهذا الواقع يحتم على أبناء أمتنا العربية عامة وسورية خاصة التساؤل عن سر هذا الاهتمام من قبل الروس والعداء المتوحش من قبل راعي البقر الأمريكي وعن الدور السوري في الوقت الحالي والمستقبل ؟ .
لقد تبلورت عقيدة المحافظين الأمريكيين الجدد في ثمانينيات القرن المنصرم, مستفيدة من أفكار ليفي شتراوس, التي عبر عنها في وثيقة عام 1992م, أعدت برعاية وزير الدفاع السابق ديك تشيني , تؤكد أهمية منع أي منافس للهيمنة الأمريكية ومحاربة كل دولة أو جهة تقف حجر عثرة أمام هذا المشروع ومن هنا أصبح هاجس السيطرة على الوطن العربي عامة وعلى سورية خاصة إستراتيجية أمريكية ثابتة كونها قائدة المقاومة العربية لمشاريع الهيمنة الاستعمارية وهذا ما عبر عنه أكثر من مرة القادة الأمريكيون وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي أوباما قائلاً» إن مستقبل الولايات المتحدة ومصيرها مرتبطان بمدى تطور الإحداث في الشرق الأوسط» .
وفي إطار بيان الأهمية التي تحظى بها سورية في الاستراتيحية الأمريكية الجديدة كتب جورج فريدمان في كتابه»المئة عام المقبلة» يقول :»كان الاعتقاد أنها حقبة تتسم بالعظمة الأمريكية, وهذه العظمة قاعدة انطلاقها الشرق الأوسط , ولكن هذه العظمة منيت بهزائم مريرة, لأن سورية هزمت مشروع الشرق الأوسط الكبير بدعمها للمقاومات العربية, هزيمة إسرائيل في لبنان عام 2006م و شكلت هزيمة للعظمة الأمريكية , وبتعبير أدق هزيمة للأحلام الأمريكية الصهيونية « ويتابع قائلاً: ظلت سورية خارج السيطرة الأمريكية, ولأن إسرائيل في هذه المرحلة تبحث عن مرتكزات لاستقرارها واستمرارها في المنطقة من غير حروب وعداء,يخلق المحيط المسالم لها عبر الاتفاقات الاستسلامية كما حدث من خلال «اتفاقيات كامب ديفيد» ووادي عربة واتفاقيات أوسلو, وعبر علاقات اقتصادية وسياسية مع بلدان عربية, كان لابد من تكليف أميركا لقادة دول عربية عديدة, ومنظومات سياسية مرتبطة بأمريكا والغرب بالعمل على إسقاط النظام في سورية الذي مازال يرفض الاستسلام ويقاوم, وترى أمريكا أن دور قطر مهم جداً, وهي اليوم تقود القاطرة العربية المعادية لسورية . والمدقق بالدور الذي تنفذه دويلات الخليج العربي اليوم ضد سورية يصب في هذا الإطار وهذا ليس غريباً عنها كونها تلعب دور كلاب الحراسة للنفط كما وصفهم ذات مرة مهندس الدبلوماسية الأمريكية الصهيوني هنري كيسنجر , وينطبق عيهم وصف الصحفي الفرنسي ميشال كليران في روايته الشهيرة «فئران الأنابيب» التي صدرت باللغة الفرنسية 1976م والتي تناول فيها قصصاً حقيقية وأسماء مستعارة عن عالم البترول وصفقاته وما يدور حولها من دسائس ومؤامرات وفساد أخلاقي من جنس واستغلال فكري وجسدي .
ولم يعد خافياً على احد الدور القذر الذي يلعبه أمير قطر وحاشيته ضد سورية والقضايا العربية وفي مقدمتها فلسطين وما قام به من مجازر في ليبيا . وتركز الأطراف الأمريكية الداعمة لاستهداف سورية, هذه الأيام على القول بان سورية فعلاً هي ليست ليبيا وذلك بسبب قوة سورية, وبالتالي يتوجب على واشنطن أن تتولى بنفسها إنجاز المهمة على غرار ما فعلت في العراق وأفغانستان .
ولكن الرياح ليست كما تشتهي السفن الأمريكية فهناك الاتحاد الروسي بالمرصاد , وموقفه من سورية استراتيجي ينسجم مع مصالح روسيا الإستراتيجية .. ويرى بوتين واللوبي المساند له و الباحثون الروس بان من نتائج الربيع الاخواني في الوطن العربي تمكين تركيا من استلام زمام نفوذ إمبراطوري في الشرق الأوسط وصولاً إلى شرق أسيا ووسطها,حتى القوقاز وبحر الأورال.
وان الدول التي نجحت فيها الانتفاضات الشعبية أوصلت الإخوان المسلمين والوهابيين المتعصبين إلى الحكم في بلادها بشكل منفرد أو بمشاركة العسكر وكلا الطرفين يعتبر إن تركيا مرجعاً وحليفاً وتركيا أداة بيد الأمريكيين في إدارة هذا الوضع المستجد. وبالتالي يرى الروس وعلى رأسهم بوتين أن انتصاراً أطلسياً في سورية على ظهور الإخوان المسلمين والوهابيين المدججين بالكذب الإعلامي وبالسلاح والمال الخليجي يعني وصول خطر الناتو إلى قلب روسيا ما يهدد بإشعال الفتن والحروب الداخلية في روسيا من قبل الجماعات التكفيرية حيث يوجد ما يفوق 75 مليون من المسلمين فيها .
على أي حال مهما تفنن الأعداء ورسموا من مخططات للسيطرة على سورية فإننا على ثقة راسخة إن سورية لم تعد لقمة سائغة , وأصبحت لاعباً قوياً وأساسيا في المنطقة والعالم و كما أفشلت المخططات السابقة بتلاحم شعبها وجيشها وقيادتها ستهشم رؤوس القوى التي تحاول التطاول عليها وكما قطعت كل الحبال التي لعبوا عليها في الماضي ستقطع كل الحبال التي يلعبون عليها اليوم وهي تمد يدها الخيرة لكل شرفاء العالم وفي مقدمتهم أبناء العروبة الذين لا يبيعون شرفهم وأمتهم ويتمسكون بالقيم العربية الأصيلة أما الخونة الذين ارتضوا بدور السماسرة والخونة فلا مكان لهم إلا مزابل التاريخ, وإن غداً لناظره قريب . .