وينبغي على الموسيقي السوري مياس اليماني أن يفتخر كونه آخر الموسيقيين السوريين الذي عزفت الفرقة الوطنية أعماله وبمشاركته من خلال حفلة أقيمت قبل يومين من نهاية العام السابق، فعزفت مجموعة من أعمال الموسيقي المذكور وهي «قصة سورية» وهو عنوان لعمل موسيقى تصورية من تأليف حازم العاني وتوزيع مياس اليماني، و»ذكريات من سورية» وهي متتالية للكمان والأوركسترا تتضمن أربع حركات بعناوين مختلفة وهي: «دومينوز، رقصة قوقازية،
تانغو o+ ، موج البحر»، ومقطوعة أخرى تحت اسم «عمر» وهي موسيقا تصويرية أيضاً تتألف من حركتين متتاليتين هما شارة المقدمة والخاتمة. وعمل آخر كتبه اليماني خصيصاً لأوركسترا الأطفال السورية عام «2009» باسم «كان ياما يوم»، وأيضاً «رقصات شرقية» المؤلفة من حركتين «زيغان، لونغا نهوند» والأولى مستوحاة من رقصات البولكا الغجرية، أما الثانية فهي مقطوعة تركية للمؤلفة «كيماني كيفسر هانم»، والعمل الذي ألفه اليماني لأجل افتتاح الألعاب العربية الأولمبية في الدوحة 2011 تحت عنوان «متتالية الحج» من ثلاث حركات «فخر العنقاء، صلاة، قافلة عبر الصحراء». وتطرح هذه المتتالية وجهة نظر فلسفية لا دينية كما صرح صاحب العمل.
هكذا لم تبتعد الفرقة يوماً من المؤلفين السوريين الأكاديميين حيث قدمت في سورية وخارجها أعمالهم جمعياً، وفي هذا السياق يقول ميساك باغبودريان، القائد الأساسي للفرقة: «نحرص دائماً أن نقدم الأعمال السورية وخاصة في حفلاتنا الخارجية لنعرّف العالم على الموسيقا السورية المعاصرة ولننشر أسماء موسيقيينا بين مختلف الشعوب».
التعرفّ على مختلف المدارس
كما كانت تفعل كل عام، استضافت الفرقة في 2011 بعض قواد الأوركسترا من العالم لتستفيد من خبراتهم ولتتعرّف على أساليب مختلفة في قيادة الأوركسترا، وبالتالي على عدد من المدارس الموسيقية المتنوعة، فكانت البداية مع المايسترو خوسيه مولينا من جمهورية الدومينيكان الذي قاد الفرقة في حفلتين الأولى في دمشق والثانية في الإمارات العربية المتحدة، وخصصت هذه الحفلة للموسيقى من هذه الجمهورية البعيدة عنا جغرافياً تحت عنوان «موسيقا من بحر الكاريبي»، بعد أن انضم إلى فرقتنا السيمفونية بعض من موسيقيي جمهورية الدومينيكان وخاصة عدد من الآلات الشعبية كبعض الإيقاعات والاوكرديون، انسجم أعضاء فرقتنا مع الموسيقيين الضيوف وقدمت حفلة جميلة نالت إعجاب الحضور الذي امتلأت بهم الصالة الكبيرة في دار الأسد للثقافة والفنون، موسيقى غريبة عن موسيقانا وأشخاص وآلات غريبة عنا، ورغم ذلك نجحت فرقتنا كل النجاح وانسجمت بسهولة وقدمت حفلة ستسجل في مسيرتها. وهذا ليس دليلاً إلا على المستوى الرفيع الذي وصلت إليه الفرقة السيمفونية الوطنية السورية.
وعن رأيه بالموسيقيين السوريين قال خوسيه مولينا: «أنا سعيد بهذه التجربة التي استطعت من خلالها نقل موسيقى بلدي إلى جزء من العالم البعيد عنا جغرافياً، بالإضافة إلى ذلك، فإن تواجد آلات شعبية كاريبية كالأوغويرا والدمبورة «آلات إيقاعية» في أوركسترا سيمفوني وبالأخص الأوركسترا السورية التي تعد من أميز الفرق في المنطقة هو إنجاز كبير بحد ذاته، ولا أخفيكم سعادتي أثناء التدريبات مع السيمفونية الوطنية السورية لأنها تقبلت آلاتنا وموسيقانا رغم أنها جديدة وغريبة عنها ولكن أجادت الفرقة السيمفونية الوطنية في إتقان هذه الأعمال لننتج هذه الحفلة الجميلة التي حضرها جمهور كبير يعرف طقوس الاستماع وهذا أيضاً دليل تطور الموسيقى السيمفونية في سورية الجميلة».
وحفلة أخرى بقيادة المايسترو سانت كلير من الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث أدت الفرقة فيها عملين كبيرين بدأت بكونشيرتو لآلة التشيللو للمؤلف روبرت شومان، أداء تشيللو منفرد العازف السوري أثيل حمدان، والعمل من سلم لا مينور مصنف 129 ويتألف من ثلاث حركات «معتدلة السرعة، بطيئة، حيوية جداً»، كما عزفت السيمفونية السادسة لتشايكوفسكي بنجاح كبير.
حينها قال المايسترو الأمريكي كلير: «هذه زيارتي الأولى لسورية ولكني التقيت بالفرقة السيمفونية السورية خلال زيارتها إلى أمريكا عام 1998 وقدمت حفلة بنفس القاعة التي أقدم فيها حفلاتي وحينها كانت بقيادة الراحل صلحي الوادي، واللقاء الثاني كان عام 2009 عندما زارانا المايسترو ميساك على رأس مجموعة من الموسيقيين السوريين كعازفين صولو عل الآلات الشرقية التقليدية وغيرها وشاركنا أنا وباغبودريان في قيادة الأوركسترا الأمريكية بمرافقة عازفين صولو سوريين وقدموا أعمال موسيقية سورية. وأخذت من الأوركسترا السورية أشياء عديدة منها الرغبة في العمل الجدي وهذه الروح التعاونية فيما بينهم بالإضافة إلى الانفتاح الواضح عند الموسيقيين السوريين، وهذه الصفات الإنسانية مهمة جداً وينبغي على أي شخص يمر على هذه الأوركسترا أن يستفيد منها».
وفي هذا الإطار أيضاً دعت الفرقة المايسترو البيلاروسي بيوتر فانديلوفسكي من «بيلاروسيا»، ليقودها في حفلة أقيمت على المسرح الكبير «الأوبرا» في دار الأسد للثقافة والفنون «أوبرا دمشق».
بدأت الفرقة في هذه الحفلة من «ولفغانغ أماديوس موزارت» وعمله «السيمفونية رقم 40 – سلم صول مينور – مصنف 550» من أربع حركات «حيوية جداً، معتدلة السرعة، مينويت، حيوية جداً»، ومن ثم أدت الفرقة بقيادة فانديلوفسكي «السيمفونية الأولى – سلم دو مينور – مصنف 68» للمؤلف «يوهانس برامز»، ويتألف هذه السيمفونية أيضاً من أربع حركات «عميقة وحيوية، معتدلة السرعة بعمق، سريعة باعتدال وحيوية، بطيئة وحيوية باعتدال ولامعة».
وحول هذه الزيارة قال المايسترو البيلاروسي: «هكذا نحن الموسيقيون نذهب إلى أماكن عدة لننشر الموسيقا، ونمتّع الناس، وأنا سعيد جداً وأنا اليوم في سورية وخاصة بوجود فرقتها السيمفونية حيث الموسيقيون الجيدون، باستطاعتهم التفاهم والانسجام، ما كنت أتخيل بأن أخرج بالسيمفونية 40 لبيتهوفن ببروفة واحدة فقط مع أعضاء السيمفونية السورية وهذا ليس دليلاً إلا على مستواهم الفني الجيد».
ولم تنس السيمفونية الوطنية الخبرات السورية التي تعيش خارج البلد فدعت المايسترو المغترب نوري الرحيباني ليقود الفرقة بعدد من الأعمال الأوركسترالية العالمية منها عمل للسوري المغترب الراحل ضياء سكري كإهداء إلى روحه التي فارقتنا قبل أقل من عام، كما أبدى الرحيباني كباقي الموسيقيين الزائرين الإعجاب بالفرقة والمستوى الذي وصلت إليه.
وفي هذا السياق يقول الموسيقي أثيل حمدان المدير الفني للفرقة: «نحن دائماً ندعو خبرات مختلفة لتتعرف الأوركسترا على مختلف المدارس الموسيقية في العالم بذلك نمنح الفرقة أفكاراً جديدة وروحاً جديدة وبالتالي يغني العازفين، ويغني برنامج الأوركسترا بأعمال جديدة».
أعمال جديدة
كما قدمت الفرقة في العام السابق عدداً من الحفلات بقيادة قائدها الأساسي المايسترو ميساك باغبودريان، عزفت من خلالها عدد من أعمال جديدة تعزفها الفرقة لأول مرة وأيضاً كررت بعض أعمالها السابقة. ومن هذه الحفلات: حفل بدمشق تحت عنوان «روائع شتراوس» خصص لأعمال المؤلف الموسيقي العالمي شتراوس، كما قدمت «باليه شهرزاد» بالتعاون مع جمعية بسمة، وحفلة أخرى بمناسبة «يوم الجوع العالمي»، وأيضاً واحدة تحت عنوان «مساحات بريطانية» بمشاركة المغنية البريطانية شونا بيزلي بالتعاون مع المركز الثقافي البريطاني، وحفلة خصصت لأعمال بيتهوفن تحت عنوان «بيتهوفن الريفية» لتقدم من بعدها «السيمفونية البطولية – بيتهوفن» بحفلة أخرى، كما قدمت الفرقة بقيادة باغبودريان حفلاً مشتركاً بعنوان «سورية المحبة» مع أوركسترا وكورال وزارة التربية لتقدم فيها الأغاني والأناشيد الوطنية، وحفلتها التي سبقت الأخيرة كانت بعنوان «القدر والحب» وقدمت فيها عدد من الكلاسيكيات لعباقرة الموسيقا العالمية.
فرقتنا اليوم تضاهي بعض الفرق العالمية؛ حيث قدمت الكثير وأدهشت الكثير، ليس في سورية فحسب بل في العالم أجمع، وهذا ليس ثناءً أعطيه للفرقة بل هو شهادات من صحف عربية وأجنبية وشخصيات موسيقية يضرب بها المثل في العالم، يظهر هذا عند استعادة محطاتها منذ التأسيس حتى اليوم، ولابد من ذكر أن للأستاذ صلحي الوادي العميد السابق وقائد الفرقة قبل مرضهِ دور كبير في إحياء الكثير من حفلاتها وتأسيس برامجها وجعل هذه الأوركسترا تظهر ظهوراً لائقاً مرموقاً في سورية وخارجها، ومن بعده الشاب ميساك باغبودريان الذي عاد من إيطاليا بعد إتمام دراسته في قيادة الأوركسترا ليكمل المشوار بطرقه الخاصة لتبدو الفرقة في هذا التطور الذي نراه الآن، إذ كسر باغبودريان رهان من كان يتوقع اندثار الفرقة بعد مرض الوادي.
مثلت السيمفونية سورية في الكثير من المحافل والمهرجانات العربية والدولية واستطاعت أن تبرز وجه سورية الحضاري حيث نالت إعجاباً كبيراً من النقاد والجمهور، ومن أهم هذه الدول /العراق، سلطنة عمان، الإمارات العربية المتحدة، تركيا، إسبانيا، ألمانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، إيطاليا..../.
ومن أحد الصحف الإيطالية، وهي /كوريرة أدريانيكو/ نقتطف سطوراً من مقالة كتبت عن حفلة السيمفونية السورية هناك تحت عنوان /حدث موسيقي في مسرح الأكويلا: «الكل سحروا من الأوركسترا» وتابعت الصحيفة: «نجاح كبير حصلت عليه الفرقة السيمفونية الوطنية السورية الليلة الماضية في عرضها على مسرح الاكويلا في جولتها الأولى في إيطاليا، تصفيق حار لأعضاء الفرقة الذين أهدوا إلى جمهور مدينة فيرمو حفلة للذكرى، فهذه الأوركسترا بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان، الذي استطاع رغم شبابه إثبات احترافية عالية، أثبتت أنها لا تبتعد عن مثيلاتها ذات الباع الطويل في سجلاتها...».
ومثلها الكثير من المقالات كتبت عن الفرقة في إيطاليا وفي كل دولة أقامت فيها حفلاتها...
ومحلياً قدمت للجمهور السوري الكثير من الحفلات، أهمها كانت حفلة بمناسبة مرور مائة عام على ولادة الموسيقار الأرمني آرام خاتشادوريان 2003 وبرعت في تقديم بعض أعمال هذا العبقري /سبارتاكوس، غايانة/ وحفلات افتتاح دار الأوبرا، وأوبرا زواج فيغارو، وباليه شهرزاد، والحفلات التي خصصت للأعمال المؤلفين السوريين وكل الحفلات التي قدمتها من خلال مسيرتها التي وصلت إلى أكثر من مئة حفلة بدمشق والمحافظات السورية بالإضافة إلى الكثير من الحفلات في البلدان العربية والأجنبية.
ما نتمناه ألا تذهب هذه النجاحات الكبيرة سدى، وأن تكون النسخة الجديدة من الفرقة السيمفونية الوطنية لصالح الموسيقا السورية والفن السوري، وأن تكون الواجهة الحضارية لسورية أينما وضعت رحالها كما كانت وأكثر!