قد يأتي اليوم الذي لا يجد فيه المتسائل أو السائل مبرراً لطرحه، ذلك أن الإنسان يحتاج إلى وقت حتى يتأكد من أهمية معلومة ما أو عادة، تساعده على تجاوز معضلة بعينها.
مع دخولنا الألفية الثالثة، تعرّضنا لتحولات جذرية في طريقة تعاطينا مع المعرفة، وأضحى المرء، أياً كان موقعه وقدراته، مدفوعاً بالطبيعة لمجاراة هذا التحول، حتى لا يجد نفسه خارج سياق التاريخ، ولا يعود بإمكانه التعاطي مع مفردات الحياة التي أضحت جزءاً لا يتجزأ من يومياتها، ومن ذلك مثلاً أن كثيراً من المطبوعات الورقية غيّرت أساليب تعاملها مع محرريها وكتّابها، وفرضت عليهم طرائق تواصل حديثة، ما شكل أدبيات جديدة في العمل الصحفي لم تكن قائمة –مثلاً – منذ عشر سنوات فقط.
إن التعاطي مع وسائط الاتصال الحديثة، على اعتبارها عاملاً مهماً في تفعيل الثقافة، تجاوز مصطلح نخبة النخبة، وشخصياً أعرف الكثير من الأصدقاء ممن تراجعت قراءاتهم الورقية لصالح القراءات الإلكترونية، بدأ الأمر معهم لأسباب مختلفة، ومنها السرعة في الحصول على الكتاب المطلوب، أما الأهم من ذلك فهو التخفيف من شراء النسخ الورقية مرتفعة الثمن، وهناك من أصبحت القراءة الإلكترونية بالنسبة إليه متعة قد لا تحققها القراءة الورقية، وهذا التحول عادة ما يأتي مع الوقت، بالرغم من وجود من يعارض هذا الرأي وخاصة أصحاب الرأي الذي يجد في الكتاب الورقي تاريخاً رومانسياً يتطلب منا عدم خيانته.
بالنسبة إلي فقد استطعت أن أجد حلاً لهذا الأمر، وهو حل أوجبته الظروف، بحيث ألجأ إلى قراءة الكتب الإلكترونية غير المتوفرة ورقياً، وهو أمر لا يخصني وحدي، أما قراءاتي الأخرى الورقية فتنحصر في ما هو متوفر بين يدي من كتب، وخاصة تلك التي يتوجب عليّ وضع ملاحظات عليها والاحتفاظ بها، على أمل الكتابة عنها أو التعليق عليها في قادم الأيام.
الثقافة برمتها أصبحت في «فلاشة» صغيرة لا يتعدى حجمها أصبع اليد، وهو تطور مذهل قد يلغي ذات يوم مفهوم المكتبة في المنزل التي طالما كانت مصدراً لتفاخرنا أمام الآخرين، ومع ذلك فإن السعي إلى تجسير هوة الخلاف حول هذا الموضوع له أهميته الثقافية، بحيث يمكن الجمع بينهما، وهو ما يعمل به الآن معظم القراء، وأنا واحد منهم.
ghazialali@yahoo.com