همّ مجتمع ترهقه الهموم يستشري فيه التناقض وهمّ فقره وحرمانه من العيش الكريم.
الأدباء في الغرب أثرياء وفي مجتمعاتنا معوزين، الأديب في الغرب يبيع من مؤلفاته ملايين، والأديب عندنا يبيع من كتبه مئات بل عشرات في بعض الأحيان.. أديبنا إلى جانب أدبه إما بائع شاورما، ولا خجل من العمل الشريف والكسب الحلال، فيملأ البطون عوضاً عن حشو العقول، أو بنشرجي، ولا خجل من العمل الشريف والكسب الحلال، فيصلح الدواليب لينتظم سير الحياة، أو موظف منكفئ على طاولة الحكومة يتثائب مع كل دقة من دقات الساعة، ولا خجل من العمل الشريف والكسب الحلال، ليحصل الناس على الخدمات الحياتية، فإذا لم يكن هذا أو ذاك فهو ميت جوعاً لا محالة.. أديبنا المفعم بالمشاعر الجياشة والعواطف النبيلة الباكي من أجل وطنه ينتظر قميصه الذي لا إخوة له ولا أخوات بعد غسله ليجف كي يستطيع أن يرتديه ويخرج به على الناس.
أديبنا يحبس أناته ويكظم غيظه ويقاوم حقده.. أديبنا يصف في أدبه عيش الأثرياء من دون أن يتذوق طعما للثراء.. أديبنا خير من يصف لك رياضة المشي وينصحك بها عوضاً عن التنقل بالسيارة أو حتى الدراجة فقد قطع في حياته مئات، بل آلاف، الأميال ماشياً على قدميه وعرف أن المشي رياضة تتلف الأحذية لكن يصح بها البدن، وأديبنا خير من يعطيك وصفة سهلة للتنحيف والرشاقة فهو دائماً في حالة عداء مع الدهون ومتصالح طوال الوقت مع العظام، ليس العظام من البشر ولكن العظام التي في البشر وأحياناً العظام التي في محل القصاب.
أديبنا إذا طرق الحظ بابه وجاءه عرض لتمثيل أي من أعماله درامياً أو سينمائياً أو مسرحياً فقد دخل بإرادته في دنيا التنازلات، عليه أن يقول للمنتج أو المخرج أو الممثل أو لهم جميعاً: «سمعاً وطاعة، لك الأمر، بدل ما شئت في النص الذي كتبته بوجداني وبنزيف عقلي». فإذا لم يرضخ فعليه أن يعود أدراجه إلى قمع الشاورما..
هذه ليست دعوة للتصدق على الأدباء لأنهم بحق لا يقبلون الصدقات، لكنها تذكرة لمن أراد أن يتذكر أن المعلمين والأدباء، دون غيرهم من الفئات الأخرى وأصحاب المهن في المجتمع، الذين كلما زادت ثقافة مجتمعاتهم تحسنت أحوالهم، وإذا أردت أن تحكم على مجتمع ما بأنه مجتمع مثقف أم لا عليك بأدبائه، فإن لمست فيهم فقراً فأنت أمام مجتمع لا ثقافة له حتى وإن كان صاحب تاريخ أو ثراء خادع.