تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


سيكتوي الغرب بنار أوقدها بيديه

عن :الاندبندنت
دراسات
الأربعاء 22-4-2015
ترجمة: ليندا سكوتي

في ظل المعضلات القائمة في الشرق الأوسط لا يسعنا إلا أن نتذكر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي أقر مشاركة سلاح الجو البريطاني في خوض غمار حرب ضروس على ليبيا أتاحت مقتل معمر القذافي وسقوط نظامه.

تلك الحرب التي قادت إلى نتائج وخيمة ومريرة اكتوى بنارها الشعب الليبي وكان من إحدى نتائجها غرق المئات من المهاجرين إلى أوروبا الذين تناثرت جثثهم على الشواطئ الليبية. وللوقوف على واقع الخطأ الجسيم الذي ارتكبه رئيس الحكومة البريطانية ليس علينا سوى مشاهدة مقطع عُرض على اليوتيوب حيث يظهر كاميرون وهو يلقي خطابا من شرفة إحدى المباني في بنغازي بتاريخ 15/9/2011 مشيدا بالحرية التي أخذت ليبيا الجديدة تنعم بها، ومقارنته بمقطع آخر نشر مؤخرا حول الأوضاع المخزية في بنغازي أو طرابلس حيث تظهر ميليشيات مسلحة تحارب بعضها في الشوارع فضلا عن القذائف التي تسقط على الأبنية وتجعلها ركاما.‏

مشهد آخر نشر عبر اليوتيوب وهو عبارة عن فيديو لمجلس العموم في جلسته التي عقدت بتاريخ 29/8/2013 حيث خسر كاميرون التصويت بشأن فتح الباب أمام التدخل العسكري البريطاني في سورية متخذا ذريعة الرد على استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل الحكومة السورية في دمشق وذلك خلافا للهدف الحقيقي الذي يرمي إلى القيام بحملة جوية على غرار ما تم في ليبيا علهم يتمكنون من الإطاحة بالنظام القائم في هذا البلد.‏

من المؤكد بأن كاميرون ليست لديه أي أفكار أو تصور عن الواقع الذي يجري في ليبيا أو سورية الأمر الذي يعفيه من الملامة عما آلت إليه الأحداث، وذلك على النقيض مما جرى مع توني بلير جراء قراره بخوض حرب على العراق في عام 2003 حيث أصبح ينظر إلى هذا القرار الذي اتخذ على مستوى القيادة باعتباره خطأ ارتكبه بلير وحُمل نتائجه. وكأن القرار قد اتخذه منفردا ولم يلق الدعم والتأييد من المؤسسة البريطانية والرأي العام في ذلك الحين. وعلى الرغم من إقرار الجميع بأن هذا القرار قد جاء نتيجة الأدلة الملفقة حول امتلاك صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل لكن ما يثير الاستهجان أن لا نلتقي بدبلوماسي او جنرال في الجيش البريطاني لايدعي معارضته لغزو العراق في ذلك الحين.‏

ومن دواعي الاستغراب أيضا أن يتعاطى الجمهور البريطاني مع قضية الجنود الذين لقوا حتفهم في حربي العراق وأفغانستان وكأنهم ضحايا لكارثة طبيعية بدلا من الأخذ بالاعتبار بأنهم قضوا في نزاعات جرت نتيجة قرارات سياسية خاطئة.‏

ثمة فشل ذريع على المستوى العسكري والسياسي لحق ببريطانيا على الرغم من ضآلة دورها إذا ما قيس بدور واشنطن. وربما كان الفشل العسكري البريطاني على نطاق ضيق لكنه كان أسوأ من الفشل الذي لحق بالولايات المتحدة حيث دخل الجيش البريطاني للبصرة وجنوب العراق في عام 2003 بأعداد كبيرة من القوات التي قوبلت بمعارضة محلية قوية. وهنا نستذكر ما قاله رئيس الاستخبارات السابق من أن البريطانيين يفاخرون أمام الأميركيين بما تحقق لهم من كسب معارك العصابات التي خاضوها في ماليزيا وإيرلندا الشمالية حيث تلقوا الدعم والمساندة من أغلب السكان في هذين البلدين، أما في البصرة فلم يكن لهم من حلفاء. لذلك ما إن حلّ عام 2005 حتى اقتصر الوجود البريطاني على مطار البصرة في الوقت الذي كان به هذا البلد يحكم من قبل ميليشيات محلية.‏

اتخذت الإدارة البريطانية برئاسة توني بلير قرارها بمشاركة الولايات المتحدة في حربها على أفغانستان وكان لتلك المشاركة أثارها البعيدة خاصة فيما جرى في محافظة هلمند التي تصدت للوجود البريطاني وكان من نتائج ذلك غضب السكان الأفغان ومقاومتهم لهذا الوجود الأمر الذي أفضى إلى مقتل 453 عسكريا بريطانيا، وبتر بعض من أطراف 247 جنديا وتم إنفاق 40 بليون دولار على حرب لا نهاية لها. ومن اللافت بأن التركيز قد تم على القرار المتخذ بشأن الانضمام لغزو العراق في عام 2003 ولم يعط الاهتمام للسياسات اللاحقة التي تم اتباعها في العراق وأفغانستان والتي وضعت خدمة لمصالح ذاتية وانتهت بالإحباط والهزيمة.‏

تهربت الحكومات البريطانية من مسؤوليتها عن الكوارث التي ارتكبتها ولم تعد تفكر بها وتأمل من الآخرين أن يحذو حذوها ويبدو بأنهم لم يتعلموا من أخطاء الماضي أو يأخذوا العبرة من تلك الأخطاء.‏

على الرغم من أن كاميرون يعاني الكثير من حروب الشرق الأوسط وخاصة في ليبيا وسورية فإننا نجده يعطي الانطباع بأننا بعيدون عنها وفي الواقع فإن الطائرات البريطانية قد قامت بتنفيذ غارات ضد الدولة الإسلامية في العراق (داعش) لكن اشتراكها كان رمزيا وكان أشبه بالضربات الجوية التي نفذها سلاح الجو الملكي البريطاني في معرض آذار، حيث كانت الضربات قليلة العدد وربما اقتصرت على تدمير مركبة أو مخبأ واحد على الرغم من أن داعش تشغل مساحة تساوي مساحة بريطانيا العظمى.‏

تحاول حكومة المحافظين الابتعاد عن تحمل المسؤولية إزاء الإخفاقات الأخيرة في الشرق الأوسط وأن القلة في بريطانيا ترغب بتورط عسكري أكبر لكن لا يمكننا تجاهل ما يجري من أحداث في المنطقة إذ أنه في الحين الذي لا نذهب به إلى الشرق الاوسط فإن الشرق الأوسط وأزماته قد تأتي إلينا. فالحروب السبعة التي تجري في البلاد الإسلامية من باكستان إلى شمال شرقي نيجريا تزداد سوءا حيث تنشط الحركات المنبثقة عن القاعدة بشكل أكبر وقد شاهدنا في الأسبوع الماضي تمكن القاعدة في اليمن من السيطرة على مطار المكلا ومعظم المحافظة. أما في العراق وسورية حيث تشير التقارير إلى أن داعش تزداد ضعفا فإن الواقع يؤكد بأن تلك المقولة تدخل في إطار التمنيات. إذ في هذه الآونة فإن تنظيم الدولة قد بسط سيطرته على معظم مدينة الرمادي.‏

يحاول الساسة النأي بأنفسهم عن التحدث بالواقع المرير القائم حيث لاشك بأن هذا الواقع سينعكس تأثيره إن آجلا أم عاجلا على بريطانيا نفسها لأن بعض الجهاديين سيسألون أنفسهم عن الأسباب التي تدعوهم للذهاب إلى سورية والعراق في حين تتوفر لديهم إمكانية فعل ما يرغبونه بسهولة أكبر في البلد الذي يقيمون به وخير دليل على ذلك حادثة شارلي إيبدو الأمر الذي يؤكد استحالة التنبوء بما سيحدث في المستقبل مهما كانت الاحتياطات الأمنية المتخذة.‏

ربما ترى كل من أميركا وأوروبا أن بإمكانها التراجع إلى هامش الحروب في الشرق الأوسط على الرغم من كونها هي من حرض عليها أو ساهم بإطالة أمدها أو لم يتخذ الخطوات اللازمة لوقفها وعندها سيتبين لهم بأن ما أقدموا عليه يمثل خطأ جسيما قد أوقعوا أنفسهم به.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية