تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«كابــوس مكيّـــف الهــواء» بعيـــــداً عـــن إنســــــــانيتنا المفترضــــــة..!

ثقافة
الأربعاء 22-4-2015
هفاف ميهوب

يُشعرني إنسان هذا الزمن. الإنسان الجاهل والمتهوِّر والحاقد والمتآمر والمنقاد والقاتل, بما شعرَ به الأديب الفرنسي «فولتير» وكتبهُ اشمئزازاً وسخرية, ومن الإنسان المغرور والأناني والمتسلّط والنهمُ لإراقة الدماء بكلِّ الأساليب الوحشية..

فعلَ «فولتير» ذلك, عبر قصته «ميكروميجا» القصة التي لم تعد خيالية لطالما, أصبحنا نعيش كل ماتخيَّله فيها فجسدهُ, وعبر حوارٍ دار بين كائنين عملاقين غريبين, كانا ينظران إلى كوكب الأرض عبر تلسكوبٍ صنعاهُ من ماسةٍ صغيرة, ليقول أحدهما: «لاأظنُّ أن حياة توجد فوق هذه الأرض, فمن المغفل الذي يسكن مكاناً كهذا؟», وليردُّ الآخر: «حسناً, لعلَّها مسكونة بالأشرارِ والمغفلين».‏

لاشكَّ أن ماأراده «فولتير» من قصته هذه, السخرية والاستهزاء من بني البشر. أولئك الذين ماأكثر ماعابَ عليهم اقتتالهم وشرورهم وجهلم وصراعاتهم وبطشهم وحروبهم, وبما خلع عن الإنسان آدميَّته وحكمته, ليصير إلى ماصارَ عليه اليوم, ومن أنانية وحقدٍ وإجرام وسوى ذلك مما لايدلُّ إلا على حيوانيته.‏

إذاً, هل بإمكاننا بعد اليوم أن نصدِّق بأن صفة العقل هي الصفة التي تفرَّد بها الإنسان عن سواه من الكائنات, وعبر مراحل تطورهِ التي أكسبتهُ قوة معرفيّة مكَّنته من صنعِ السلاح الذي استخدمهُ ولايزال يطوِّره. السلاح الذي بدأ يستخدمه اليوم لقتل بني جنسهِ بعد أن كان لقتلِ مايعترضه من الوحوش والحيوانات؟.‏

حتماً, لم نعد نصدقُ هذا لطالما, هانحن نرى الإنسان وقد باتَ أشد افتراساً من الوحوش الضارية, بل أكثر خطراً على الإنسانية من كل مااعترضها ولايزال, ومن زلازل وحروب وكوارث طبيعية.. لم نعد نصدِّق هذا, ولاسيما بعد أن تفاقمت حيوانيته التي مزَّقتنا بعد أن فتكتْ بحياتنا وعقولنا وأماننا, وبما دفعنا للتساؤل: هل الشرُّ والتعطُّش للقتل وإراقة الحياة والدماء, هو مافُطرَ عليه إنساننا؟.‏

سؤالٌ, لاأعتقد بأن هناك مكان للأخلاق في الإجابة عليه. إذ يستحيلُ أن تتواجد الأخلاق لدى من انحاز إلى جسده لاعقله, وغرائزه لاإنسانيته, وحيوانيته لاآدميته.. وتبعيته لاحريته.‏

نعم, يستحيل أن تتواجد الأخلاق, لدى من امتلك طبيعة حيوانية. الطبيعة التي حطَّت من شأن كلِّ من فُطر على الشرِّ وحب الإنتقام والغدر والأنانية. تماماً, كما فُطرتْ الكثير من القبائل البدائية الهمجية, وعلى أكل لحوم البشر وتمزيق أحشائهم والتفنن بتقطيع أوصالهم وإحراقهم.‏

بكلِّ الأحوال وإنصافاً للحقيقة, لايسعني إلا التأكيد, على أن أميركا التي تدَّعي بأنها أعظم دولة في العالم, بل وأكثرها ديمقراطية وإنسانية, هي من برمجَ الإنسان وحوَّله من آدمي إلى همجي.. هي التي حطَّت من قيمته وحياته وعقليته,وبعد أن خدعتهُ وفرَّغتهُ إلا مما أرادته يخدم مصالحها وأطماعها وتطلعاتها الشيطانية.‏

إنها الحقيقة التي باتت واضحة لكل من يعود إلى التاريخ, ويقرأ عن أطماعها وجرائمها وإرهابها.. أيضاً, عن احتقارها للشعوب واستعبادها واغتصاب أراضيها وحقوقها.. الحقيقة التي تجرأ كُثر من كتاب أميركا فأعلونها, ومنهم «هنري ميللر» الذي بيَّن في أكثر أعماله, بأنه لم يجد فيها مكاناً للسلام الروحي, وبأنَّ ماينتابه فيها, وكما ذكر في روايته «كابوس مكيّف الهواء»: «انتابني اتجاه نيويورك شعور دائم بأنها المكان الأشد بثًّا للرعب على أرض الله.. نحن متعودون على التفكير في أنفسنا بوصفنا شعبًا متحرّرًا.. نقول إننا ديمقراطيون، محبون للحرية، متحررون من الضغائن والكراهية، هذه هي البوتقة، موطن التجريب الإنساني العظيم. كلام جميل، مفعم بالنبل، وبالعاطفة المثالية. في الواقع نحن رعاع سوقة وقحون، يمكن حشد انفعالاتنا بسهولة عبر المهيجين والصحفيين والمتدنيين الدجالين والدعاة ومن شابههم»..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية