عندما تكون في مجلس تهنئة بشهيد جديد ومعلوماتك السابقة أنه وحيد أو أن أخويه الآخرين أحدهما مصاب والآخر انقطعت أخباره منذ أكثر من سنة فربما يراودك شكٌ أنك ستجد أهله محبطين ويائسين
وربما رافضين ما يجري حولهم، ولكن ما إن تضع يدك في يد والد الشهيد أو شقيقه او تنظر إلى عين أمه أو أخته حتى تخجل من الأفكار التي راودتك وتعود إلى اتقادك وتوهجك، كيف لا وأنتَ في حضرة الشهادة ومع أهل شهيد كانوا قبل استشهاد ابنهم يغارون ممن سبقهم في تقديم الغوالي لهذا البلد الغالي!
كان يجهّز أرضه ليزرعها بالبطاطا، أعلم أن أبناءه الخمسة التحقوا بصفوف الجيش العربي السوري وجيش الدفاع الوطني ولم يبقَ إلا هو وزوجته، سألته: وهل تقدر بمفردك على القيام بأعباء هذه الزراعة فردّ بكل الثقة: أبنائي يقاتلون دفاعاً عن سورية فهل كثيرٌ عليَ أن أزرع من أجل المساهمة بتعزيز صمود بلدي، نعم سأتعب ولكن كله في سبيل سورية يهون، لن أترك أرضي بوراً ولا أطلب من الله عزّ وجلّ إلا أن يحمي سورية وينصرها وأن يكون لنا حصة ومساهمة في صناعة مجد سورية!
لفت انتباهي حديث رجل كبير في السنّ من جولاننا الحبيب ضمن برنامج «رجال الشمس» يؤكد فيه وقد اغرورقت عيناه بالدمع إنه مستعد لحمل السلاح في وجه المخربين والتكفيريين ودفاعاً عن الوطن الذي تمسكوا بهويته رغم كل الضغوط الصهيونية عليهم..
عرض عليه مكتب عقاري /35/ ألف ليرة أجرة منزله لأسرة وافدة إلى طرطوس وما عليه سوى أن يخلي المستأجر الموجود فيه والذي يدفع /15/ ألف ليرة لكنه رفض، وعندما تحوّل المستأجر وهو طبيب إلى الخدمة في المشفى العسكري بحلب قام صاحب المنزل بتخفيض الأجرة تقديراً منه لدور ذلك الطبيب العربي السوري..
ما إن أجلس مع أبي وأمي وأشكو في حضرتهما انحباس المطر وصعوبة المعيشة حتى يقولا معاً: اصبر يا بنيّ، إن الله مع الصابرين وحاشا لله أن يردّ المطر عن القلوب التي تنتظره وتتلهف لمعانقته، أقول لهم إن مياه سدّ الباسل القريب من ضيعتنا قلّت بنسبة كبيرة والخطر على الزراعة قائم فيردان: الله كريم وسيكون كل شيء على ما يرام، ومع الأيام الأخيرة من شهر شباط جاد الله بالغيث وهطلت أمطار جيدة وكم كان المشهد رائعاً ومؤثراً حين خرج الكثير من أبناء قريتنا تحت المطر يرفعون أيديهم بالشكر لله عزّ وجلّ..
ببساطة، هذا هو الإنسان العربي السوري الطيب والجميل والمحبّ لبلده وأبناء بلده، أما من يتاجر بالسلل الغذائية المقدمة كمساعدات، ومن يبتزّ المحتاجين للسكن، ومن يتراقص على حبال الأوضاع الحالية فهو ليس منّا وإن كان يسكن معنا تحت سقف واحد.