تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


دمشق.. عجز الإرهابيون ولو قتلوا

شؤون سياسية
السبت 23-2-2013
عبد الحليم سعود

لم أجد، وأنا أشاهد دخان تفجير حي المزرعة الدمشقي نهار الخميس الماضي وتاليا جثث وأشلاء الضحايا الأبرياء الذين سقطوا نتيجته، لم أجد تفسيرا يليق بهذا الإرهاب المجرم والحاقد سوى أن أبناء الظلام وأعداء الحياة لم يرق لهم أن تحتفظ دمشق بكل هذا التألق والنور،

ولم يطيقوا دوام البهجة والحياة فيها، فحاولوا مرة أخرى دون جدوى ـ وما أكثر محاولاتهم ـ قتل الحياة فيها واقتلاع البسمة من وجوه أطفالها، إذ لم تكن صدفة أن يختار القتلة هذه المرة كما عادتهم حيا سكنيا مكتظا بالحياة والطفولة والناس وفي رابعة النهار ليفعلوا فعلتهم الشنيعة.‏

فلم يعد سرا أن العاصمة الأسطورية الممتدة بعيدا في سفر التاريخ إلى نحو سبعة آلاف سنة بقيت نابضة بالحياة وبأهلها طوال هذه القرون الطويلة، بحيث لم يستطع الغزاة الأقدمون ولا الجدد بغزواتهم المتلاحقة وحروبهم المستمرة أن يفكوا لغز أسوارها العالية وأسرار صمودها الأبدي وشجاعة أهلها، فكيف لحفنة من الإرهابيين التكفيريين الظلاميين أن يفهموا ذلك وأن يعوه وهم لا يملكون في رصيدهم المفلس سوى الأفكار السوداء والأحلام المريضة التي باعهم إياها تجار دين جهلة وحكام متخلفون فاسدون وأعداء طامعون متربصون.‏

ربما قد يتساءل أحدهم ما هي الرسالة التي يريد القتلة أن يضعوها في صندوق بريد دمشق..ولماذا يصر هؤلاء الجهلة على معاقبة هذه المدينة الآمنة المطمئنة والنيل من أهلها الشرفاء صانعي الحضارة والنور، لكن الجواب على هذه الأسئلة وسواها وإن ارتبط ظاهريا بالأزمة المفتعلة التي نعيشها منذ نحو عامين، إلا أنه لا يبتعد عن مجمل الاستهداف الدائم لها، فمثل هذا الإرهاب جرب نفسه مرات عديدة في دمشق في ثمانينات القرن الماضي وكذلك خلال السنوات الماضية على إيقاع الغزو الأميركي للعراق وما استحضره معه من تنظيمات إرهابية كتنظيم القاعدة وفروعه الأخرى القادمة من مدن الظلام ومحميات النفط وبقع الحقد الداكنة.‏

فعلى مدى عشرة أعوام وضعت سورية ـ وفي القلب منها دمشق ـ في عين الإعصار وأُريد لها أن تسقط كما سقط الآخرون ليكتمل النصاب الأميركي والصهيوني من الأنظمة التابعة والذليلة في المنطقة التي أخذت على عاتقها السهر على حماية أمن إسرائيل ومستوطنيها، لكن دمشق المقاومة والممانعة استطاعت أن توقف زحفهم من العراق «الغزو الأميركي» وأن تهشم مشروعهم في لبنان «عدوان عام 2006»، فما كان منهم إلا أن نقلوا عدوانهم إلى الداخل مستخدمين حفنة من المأجورين والمرتزقة وبعض المغرر بهم من أبناء الوطن، ليرتاحوا من عناء التدخل المباشر واحتمال الخسائر الكبيرة التي يمكن أن تلحق بهم، فمولوا وسلحوا وحرضوا ودربوا واحتضنوا من يروه صالحا لينجز عنهم ما عجزوا عنه، وسخروا لمعركتهم وحربهم إعلاما سفيها وفاجرا ومشايخ فتنة وضلال وجندوا جيشا من باعة الكلمة والضمير للعمل ليل نهار في محطاتهم الفضائية لقيادة الحرب الجديدة ضد سورية، فغدت أرضها العزيزة ساحة لإرهابهم المفتوح، وغدا شعبها الصامد ضحية لحقدهم وإجرامهم فتتالت التفجيرات الحاقدة والأعمال الإرهابية الشنيعة وشاهد العالم صورا فظيعة للقتل وتقطيع الجثث وجز الرؤوس وتخريب الاقتصاد والممتلكات والمنشآت والبنى التحتية لا يمكن أن يقوم بها أو يقدم عليها إنسان فيه ذرة من كرامة أو شرف أو وطنية أو إنسانية، واستخدم الدين وعاء وغطاء لهذه الأعمال الشنيعة فكانت الإساءة للإسلام ولبلاد المسلمين أبشع بكثير من تلك الإساءات والاتهامات التي حاول الأعداء إلصاقها بالإسلام عبر المئات من السنين.‏

اليوم لم يعد هناك عذر لأحد فإما أن يكون مع الدولة ومؤسساتها ومشروعها السياسي الإصلاحي وبرنامجها الوطني للحوار والمصالحة وإما أن يصطف مع الإرهاب والإرهابيين ويلتحق بمشروعهم التخريبي المدمر الذي لا يكرس سوى العداوة والحقد والخراب والأحزان، فمن يستهدف دمشق وأهلها بالقذائف والسيارات المفخخة والانتحاريين لا يمكن أن يكون لديه مشروعاً يقبله أحد سوى الأعداء المتربصين من ممالك ومشيخات العار المستعربة مرورا بسلطنة العثمانيين البائدة المتجددة وصولا إلى امبراطورية الحرب والهيمنة والعدوان، فالسوريون الذين أذهلوا العالم بصمودهم ووحدتهم وتماسكهم هم من يملكون الشروع المناسب لبناء الدولة وتحديث مؤسساتها وهم من سوف يتوجهون غدا إلى الحوار الوطني الفاعل لانجاز المداميك الصلبة في بناء سورية المقاومة القوية المتجددة.‏

دمشق..لا تقنطي، فغيوم الحزن هذه ستغادر سماءك وستستعيد ين البسمة رغم أنف الكارهين والحاقدين، والمجرمون حتما إلى زوال، وقد عجز الإرهابيون وإن قتلوا، وما إجرامهم هذا إلا دليل عجزهم عن اقتحام أسوارك وأبراجك العالية أو النيل من أهلك الشرفاء الصامدين المقاومين..!!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية