للجرح شهقة الصبح، فإن عذّبه الملح قليلاً فإن الشفاء بهذا الملح، وللغد الآتي أقداح تُعلى، وأنتِ يا شام ما عُتّق في الجرار وأنت القدح..
يهمي الصمت بداخلنا أحرفَ اسمكِ الأجمل والأقدس، يجول الضوء في مشاويرك دون حرّاس ودون دروع، ويزهد الياسمين في حدائقك مرتّلاً كتاب العطر بلغة القرآن والإنجيل والتوراة، وعند بحراتكِ السبع يستريح السفر قليلاً فيصدح قاسيون: «زيّنوا المرجة والمرجة لينا.. شامنا فرجة وهي مزيّنا».
يحرسكِ الله يا شام، من غوطتيك تنفّس الصبح وعلى قاسيونك صلّى الفجر وفوق كل حبة تراب فيكِ سطّر المجد ملحمة وسجّل وقفةً فمن يغيّر اسمكِ ومن يسرقكِ من محبّيكِ؟
يحرسكِ الله يا حلب، يا حاضرة وحضارة بني حمدان، قاومتِ فلا المطرقة أزالتكِ ولا السندان، سرقوا مصانعكِ، حرقوا ملاعبكِ، قصفوا مآذنكِ، ولكنكِ بقيتِ شامخةً بشموخ إنسانكِ الإنسان، بقوة ما في أهلكِ من حبّ وإيمان..
يحرسكِ الله يا حمص يا أمّ الحجارة السودِ، يا حُبّاً عشناه عنقوداً بعد عنقودِ، كان مهركِ الدمُ فكنتِ نبع العطاء والجودِ..
يحرسكِ الله يا جارة النواعيرِ، يا موطن الخير وكرم المشاويرِ، قوافل شهدائك ما أخطأت دربها، والصبح يدقّ بابكِ بكل النفح والعبيرِ..
يحرسكِ الله يا خضراء العيون، يا فسحة الخير والزيتون، في كلّ رقعة فيكِ يا إدلب العطاء حكاية سحر وفتون، ولئن طال فيك ليل الأسى فالوعد أن تكوني بخير وأن نكون..
يحرسكِ الله يا ديرنا يا درةّ الفراتِ، يا حكاية للجود والمكرمات، ويشهد الله أنكّ ما كنتِ إلا لؤلؤة ولن تكوني إلا بحر خيراتِ..
بين الرقة والحسكة والقامشلي وكل بقعة في جزيرتنا الغنّاء لا يخبو الأمل ولا يفتر الموّال، فهنا راعٍ يطرب القاع نايُه، وهناك نُزلٌ لا تنطفئ ناره، وحبّات القمح المباركة تكتب سفر الديار وتعلن مواصلة المشوار..
في القنيطرة وجولاننا الحبيب يأتي الصوت ذاته، ويرتفع العالم الأجمل بكل عزّته وعنفوانه وتهتف القلوب: العزّة لسورية ولشعبها وليندحر الفاسقون..
ولدرعا تُرفع الأغنيات.. عذبٌ صوتكِ يا بنت حوران، طيبٌ همسكِ يا جارة الريحان، والآه التي ترعرعت فيكِ ستبقى في ذاكرة الوجدان..
وسويداء القلب ترفع صوتها، سمعناه كلّنا: لا نتبع الشياطين ولا نحيد عن دروب سورية، المجاهد سلطان باشا الأطرش جدّنا وسورية الحبيبة مهدنا ومجدنا.
وجاء بحرنا يرتاح من موجه قليلاً، فقبّل شواطئ اللاذقية وزرع في طرطوس نخيلاً، ألقى السلام على من جاءه مستغيثاً فردّ التحية قرآناً وإنجيلاً.
هذه هي لوحتنا الأحلى، وهذه هي لغتنا الأنقى، ويبقى الإكبار حاضراً لأولئك الميامين السادة الأحرار الذين يتحمّلون البرد والجوع والعطش في سبيل الدفاع عنّا وعن وجودنا وفي سبيل حماية علمنا وأرضنا وهويتنا، ولكل فرد من أبطال جيشنا الباسل نقول: بوركت الأرحام التي أنجبتكم، بوركت الصدور التي أرضعتكم، نتطهّر بما علق من غبار على أحذيتكم، نعلم أنّكم تمضون أياماً كاملة ربما دون أن تتهيأ لكم فرصة تناول الطعام، ونعلم أن بعضكم لم يرَ ذويه منذ عدة أشهر، ونعلم أن بعضكم لم يرَ ولده الذي ولد في غيابه، ولكننا نعلم أيضاً أنكم مؤمنون بقضيتكم وأن قسوة الهجمة على سورية لم تزدكم إلا قوة وتصميماً فالنصر والعزة لكم والعار والخزي للمخرّبين ونقول لمن سبقكم في ركب الشهادة: زرعتم السماء مجداً بعد أن ضاقت الأرض بمجدكم فبوركت عقبى الدار ونعم الخلد الذي رحلتم إليه..