تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


رسم للإبداع أم تحت الطلب ؟ هل فقدت اللوحة السورية هويتها ؟

ثقافة
السبت 23-2-2013م
تماضر ابراهيم

سجل التاريخ ابداعات الفنان السوري منذ العصور الحجرية المتأخرة حتى نهاية القرن العشرين، حيث بدأت الحركة التشكيلية السورية المعاصرة، وفيها الكثير من التجارب الرائدة التي تلمست دروب الحداثة، فوضعت أسس النهضة الفنية السورية،

وساهمت في تطوير الفن التشكيلي السوري ضمن عملية تفاعل واغناء واغتناء قائمة بيننا وبين الثقافات الأخرى التى تنتمي الى حضارات مختلفة، باتجاه خلق الذات وصنع التاريخ نحو الاضافات الحضارية، ترك الرواد بصماتهم على وجه الحركة التشكيلية المعاصرة، وأثرهم في عمق التجربة الراهنة للفن التشكيلي.‏

الفن يقبل المستجدات‏

ومع هذا وذاك نحن اليوم نبحث عن الهوية الوطنية في المحتوى، وعن الهوية الانسانية في اختيار الأشكال، التي تتفاعل مع طبيعة الحضارة الراهنة، للوقوف على القيمة الابداعية في الفكر، وفي جوهر الذات للفنان السوري.‏

الفن في عصرنا الحالي تغيّر كثيراً بالعالم أجمع لأنه أصبح يعتمد على الفكر، وخرج الكثير من الفنانين في العمل الفني عن إطار اللوحة كوجود الفيديو آرت والفن المفاهيمي وما إلى ذلك من الفنون، لكن هذه الحداثة يجب أن تحاكي إرث الفنان الثقافي والفكري وما يحيط فيه، فالفن يقبل المستجدات المعرفية شريطة أن يحقق هدفه النبيل والعظيم، الذي يذهب بالتوازي مع مسيرة الأدب والثقافة والعلوم، للنهوض القيمي والجمالي والاجتماعي الذي يعنى بمكتسبات الروح والفكر منطويا على الهوية والابداع اللذين يشكلان وجهين لعملة واحدة ينبغي أن يحققها الفنان بوعي واتزان، أما ابتعاد الفنان عن موضوع أصالته وتراثه بحجة الحداثة أو المعاصرة أو حسب السوق والعرض والطلب واعتبار الفن مجرد سلعة تجارية، هذا يؤدي إلى الاِنسلاخ التدريجي عن الهوية، فكيف إذا ابتعد الفنان بنفسه ونأى بذاته عن الانتماء لبيئته ولتاريخه ؟ ألا يشكل دليلا على فهم خاطئ لمفهوم الفن ورسالة الفنان، وفهم خاطئ للأساليب الفنية الحديثة، أو أن ذلك يجعلنا ندخل الصالات الفنية والقائمين عليها والمؤسسات المعنية قفص الاتهام، وهم بالعموم ليسوا بريئين.‏

بتسليط الضوء على فهمنا للمعاصرة والحفاظ على الهوية في العمل الفني يرى د. عفيف بهنسي أنه من الخطأ الحكم على الأعمال الفنية العربية المعاصرة من خلال جمالية الغرب، كما أنه من الخطأ إتباع الأعمال الإبداعية لجماليات الغرب فالفنان السوري يجب أن يتميز عن الأوروبي المعاصر وأن نتبين منه أنه من التراث العربي فهو ليس محملا بذيول التبعية الخاصة بالفن الأوروبي.‏

الفن يتبع لخصوصية الفنان وتجربته‏

إن المحاكاة المباشرة للتراث لا تنتهي عادة بإبداع، لأن من خصائص الإبداع حلولاً مبتكرة جديدة، لذلك دراسة التراث وفهمه ومن ثم استلهامه بطرائق حديثة مبتكرة تولد الابداع الحقيقي.‏

• الفنان النحات مرتضى ابراهيم:‏

شهد الفن عدة منعطفات تميزت إما بالمراحل أو بالاشخاص بما انطووا عليه من مدارس فنية حملت ما حملت من أساليب تشكيلية ممنهجة، وللخوض في هذا الموضوع نستمد أمثلة من فنانين انتقائيين كبيكاسو ومن عاصروه، وما تركوه من أثر على الفن التشكيلي عموما و اللوحة السورية خصوصا، كثير من الفنانين كان لديهم تجربة حقيقية استمدوا منها هويتهم، أعني أن شخصا مثل ماهر البارودي له خصوصية في النحت والتصوير سواء بالاسلوب او التقنية، لكن بعض الفنانين منهم من عجز أمام التطوير الفني التشكيلي فاستمد هويته من خلال بورصة البيع وهذا ما جعله عاجزا عن الخروج من أسلوبه.. عجزوا هؤلاء أمام حركة التطوير التشكيلي رغم أنهم نجحوا في جذب الأنظار في بعض أعمالهم التي أضفت سمة الأسلوبية أو الهوية في أعمالهم، وبالتالي هذا ما احتجزهم ضمن هذا النطاق حفاظا لهم على بورصة البيع، وهذا ما تتسم به أعمال بعض فنانينا السوريين فلو نظرنا لأعمالهم منذ عشرة أعوام حتى الآن لا نرى تطور ملموس، حتى وإن وجدنا محاولات لونية لكسر هذا الحاجز، ولعل الأجدر بالذكر أننا لا نلقي اللوم على البيع فقط إنما يجب القاء الضوء على الدور الذي أخذته الصالات الفنية المعروفة في سياستها التجارية بغض النظر إن كانت سياسة تجارية بحتة أو....؟‏

إن فنانا انتقائيا مثل بيكاسو نعتبره تجربة فنية رائدة بسبب ما قدمه للفن من تحولات رائدة وفريدة، فقد عرف تاريخ الفن ثورتين لاريب فيهما، الأولى الانطباعية بما حملته من تحطيم المفاهيم الفنية الأكاديمية السائدة لتخرج الفنان من مرسمه ومن واقعيته المفرطة لتعود علينا بتيار استثنائي قد ولد الكثير من التيارات التي عدت مهدا لثقافة وتجربة فنية جديدة،حملت مفاهيم فنية مؤسلبة لتكون بالتالي تحولات فنية ضمن سلسلة التطور الفني ليعرف تاريخ الفن ثورته الثانية وهي التكعيبية التي استندت إلى سيزان وسطوحه المسيّرة، وبالتالي أنا أرى أن الفن هو فن مشبع تاريخيا يحتاج إلى فنانيين انتقائيين ليكمل تاريخه.‏

هموم تشكيلية ومزاحمة‏

• د. شفيق اشتي:‏

لست مع كلام هوية اللوحة وانما مع هوية الفنان في لوحته فإذا ابتعد الفنان عن الوجدانية في التعبير الحر واقترب من المغريات في فلك الطلبيات والتوصيات بالتأكيد الفنان سيذهب بعيدا عن تطوير هويته وعن البحث التشكيلي فمن هنا اؤكد ان عددا لابأس به من فنانينا المعروفين على المستوى الإقليمي والمحلي يعملون بوجدانية و صدق بعيدا عن هيمنة (الطلب) وبالتالي لهم همومهم التشكيلية في المزاحمة في موقع متقدم في الإكتشاف والإبداع.‏

الهوية في الموروث الحضاري للمنطقة‏

• الفنان غسان صافية:‏

الحقيقة هذا موضوع فعلاً شائك ويطرح إشكالية كنا وما زلنا نعاني منها فبالنسبة للشق الأول من السؤال برأيي أن اللوحة كهوية عندنا لم تتبلور هويتها بعد حتى تفقدها ! أي أننا لانستطيع أن ندعي أنه لدينا لوحة سورية وإنما هنالك فنانون سوريون يرسمون اللوحة كل بحسب أسلوبه ورؤيته (وغالبا ما تكون تقليدية ومتأثرة بالغرب) ولكن نستطيع أن نلمح بعض التجارب الهامة والتي تعبر عن هويتنا السورية في اللوحة التشكيلية بحيث تجمعها سمة الموروث الحضاري للمنطقة بما فيها من أساطير وفولوكلور شعبي وما إلى هنالك من مفردات الحضارة السورية بحيث يمكننا إلى حد ما تسميتها «لوحة تشكيلية سورية» ولكنها تظل ضمن التجارب المحدودة والمقصورة على عدة فنانين وربما من أهمهم في هذا المجال الأستاذ نذير نبعة والأستاذ ممدوح قشلان (برأيي) وثمة بعض أسماء لا مجال لذكرها كلها..‏

أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال: طبعاً الفن الحقيقي يكمن في الإبداع التلقائي أي ما يعبر عنه الفنان (سواء في الرسم أو النحت أو أي من فروع الفن التشكيلي) ويكون فيه حراً في اختيار الموضوع الذي يريد تمثيله والتعبير عنه دونما إملاء من أحد أو بهدف مادي أو ضغط الحاجة الحياتية المعيشية ولكن وللأسف إن جل ما نراه من إنتاج فني لدينا يكون هدفه الربح المادي بالدرجة الأولى وما يتطلبه السوق (منطق السوق والتسويق) وهذا ما يفسره في كثير من الأحيان ذلك التشابه الملفت في الصياغة التعبيرية واللونية والتي تجنح في عمومها إلى التجريد والتجريد السطحي بحيث يتم التركيز على الألوان الصارخة والمغرية للإقبال على شرائها من المتلقين اللذين يكونون في غالبيتهم بعيدين كل البعد عن ما يسمى الثقافة الفنية والبصرية ولايهمهم سوى سد فراغ في حائطهم بلون يتناسب وبقية الديكور في المنزل او المكتب او..الخ.. وهنا برايي يكون الفنان منقاداً بشكل لاشعوري إلى تلبية ذائقة معينة للترويج لأعماله ويتحول الفن في هذه الحالة إلى «بضاعة»..‏

تأثير العولمة على الثقافة‏

• غازي عانا:‏

إذا كانت الهوية تعني الانتماء إلى جغرافية معينة فأعتقد أن العولمة أول ما أثّرت على الثقافة وخاصة المرئية منها (البصرية)، فمن كثرة المشاهدة وسهولة التنقّل من معرض إلى مرسم إلى غاليري وهكذا فلا بدّ من التأثّر والتأثير والاستفادة من الآخر وبالتالي تداخلت العناصر والمفردات وحتى طريقة المعالجة وصولاً إلى الأساليب والمذاهب الدارجة والشائعة في العالم، ففي التصوير كما في النحت تتكرّر موضوعات التشخيص والمبالغة في التعبير مع التركيز على البورتريه واستخدام الألوان المتناقضة بمجاورة بعضها لتبدو أكثر إثارة للمشاهد وأقرب إلى الألوان المستخدمة في فن الإعلان، وهذا ما جعل المراقب وأي متابع يلاحظ التشابه الكبير الحاصل في الفن وخاصة في اللوحة اليوم.‏

الفن رسالة‏

بالنسبة للفنان لابدّ من سنوات خبرة وممارسة حتى يتمكّن من أدواته ويصبح محترفاً.. وليشكّل الفن بالنسبة له همّاً جميلاً أو هاجساً مشروعاً قابلاً للحياة.. فيتحول الفن بالتالي إلى ممارسة شاقة وممتعة يحلّق من خلالها الفنان بخياله وحلمه من اجل ابتكار أشكال جديدة ومبهجة ضمن مساحة محدّدة وصغيرة نسبياً تفيض بالحيوية والجمال وتضيف إلى الحياة قيماً نبيلة.. هنا تكون رسالة الفنان قد وصلت إلى غايتها، ولتشكّل اللوحة حالة إبداعية محضة.‏

وإذا ما تحوّلت إلى وظيفة وحالة ممارسة مهنية تلبي حاجة السوق وذائقة الراغبين والمسوّقين تتحول إلى مهنة وتفقد الحالة الإبداعية ولم تعد لوحة فنية أو عملاً فنياً بل سلعة تجارية قد تجد منها مئات النسخ فتفقد بالتالي أي قيمة فنية.‏

على الهامش‏

الفن رسالة يحملها الفنان على عاتقه قبل كل اعتبار، ويكمن في الطريقة البلاغية التي تصقلها تجاربه، فيعبر من خلالها عن هواجسه وأفكاره وثقافته، منطلقا من موروث تاريخي وحواضن بيئية ثقافية شذّب بها موهبته الفنية، ليتثنى له التعبير عن ذاته مواكبا العصر الذي يعيشه ومدركا للتاريخ الذي سبقه، محملا رسالته مبادئ فنية ثقافية تحتمل التطوير والابداع وتكون معبئة بقيم حقيقية راسخة مؤرخة لزمن معين، متطورة حسب السجل الفني التصاعدي حتى يتثنى لها الاعتبار والإفادة للجيل القادم، نحن اليوم لا نحتكم على تاريخ فني له تسلسل زمني صنع التحولات، و لا نملك أرشفة متكاملة في مؤسساتنا، كما أننا فقدنا الكثير من الأعمال، وفقدنا الكثير من فنانينا المبدعين الذين تحولوا إلى طلبات خارجية واستنساخ وخضوع لرؤى أشخاص ليس لهم اعتبارات فنية سوى العرض والطلب واحتكام المال.‏

قرأنا التاريخ الفني وتطوراته بما عرفه من مراحل ثورية ومتجددة على مفهوم قد ساد يخضع لقيود اجتماعية كانت أم دينية أم.... بدءا من المنعطف الانطباعي كنقطة تحول، وما بعد الانطباعي بما حمله من تيارات محدّثة كالبنية والوحشية والبنائية و... وصولا للتكعيبية وما بعدها. إن رواد هذه التيارات الذين أخلصوا لفكرهم ولخصوصية الفن بما قدموه من أعمال تملأ المتاحف العالمية كنقاط تحول تعد هي الأعظم في تاريخ الفن التشكيلي الحديث، وهنا يلحّ علينا السؤال الأهم، ترى هل أعمال فنانينا اليوم تؤسس لتيار معين ؟‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية