من وجهة النظر الأميركية هذه حمل مرشحو الدورة الأولى لانتخابات الرئاسة الفرنسية أفكاراً غريبة عنهم وغير مجدية.
فمن الملاحظ أن الاختلافات بين حكومة الحزبين التي تغلب في النظام الأميركي وتعدد الأحزاب المعمول وفقها في أغلب الدول الأوروبية درست بشكل لا يسمح تفوق حزب على آخر.
فحكومة الحزبين قد تساهم في الاستقرار السياسي, وفي وضوح الايديولوجية والتي تؤدي إلى تثبيت حكومة معتدلة (مركزية).
ولكن وبنفس الوقت فقد يسهل هذا النموذج من الابقاء على التقليدية الأمر الذي يعيق ظهور حركات جديدة وانطلاق أسلوب الجماعية, بسبب وجود حزب وحيد?
وعلى النقيض, فقد تمكن تعددية الأحزاب رؤيتنا لآراء الاقلية, وحدوث جدل أكثر غنى من جهة أخرى قد يثير ذلك في بعض الأحيان الفوضى والتطرف.
يقول البروفسور شارل كوبتشان من جامعة جورج تاون: (حين تواجهون جماعة ناخبين منقسمين بين طرفين, فإن الاغلبية تنتشر في الوسط, كما يلاحظ في النظام المتعدد الاحزاب الاشادة بصوت المتطرفين, وطغيان هذا الصوت على الجدل حين تتمكن الاحزب الصغيرة من صنع أو إعادة صنع تحالف ما, لكن فرنسا في مأمن من ذلك بفضل نظامها الرئاسي).
وراء الاختلافات المؤسساتية والثقافية, هناك الكثير من الفروقات ما بين طرفي الاطلسي: الاختبارات الابتدائية, الدور الذي تلعبه الصورة في الحملة الانتخابية, دور التلفزيون والانترنت وبطبيعة الحال المال.
وعملية انتقاء المرشحين نفسها ليست بعيدة عن ذلك: إذ يلعب الاختلاف المتاح للناخبين الأميركيين في المرحلة الأولى لكل حزب نفس الدور الذي لعبته المرحلة لأولى من الحملة الانتخابية في فرنسا, وبذلك يمكن أن يتضح توجه التيارات من خلال هذا الاختلاف, قبل اختيار مرشح للفوز.
ومع بدء المرحلة الثانية للانتخابات تدخل فرنسا في إطار تنافسي على الطريقة الأميركية, يقول كوبتشان: (على الرابحين التوجه مجدداً نحو الوسط للحصول على تأييد أوسع).
ففي السنوات الأخيرة اتسعت التشكيلة السياسية في الولايات المتحدة بينما نجدها قد تقلصت في فرنسا, يقول في ذلك: (ففي كلتا الدولتين تلعب الهجرة والعولمة دور المغناطيس, دافعة بالمعسكر المحافظ نحو اليمين والمعسكر الليبرالي نحو اليسار).
هذا الأمر يطرح المشكلات أمام المرشحين, يقول أحد السياسيين: (تعبت هيلاري كلينتون مع الحزب الديمقراطي لأنها ركزت باستمرار على الوسط, أما في فرنسا فقد بدأ ساركوزي ورويال حملتهما السياسية من الوسط لأنهما اعتقدا أنهما بذلك بمأمن من المخاطر, ثم ابتعدا عن خط الوسط ليتبعا جذورهما).
من الصعب التأكيد إن كان النظام هو من يولد الاخلاق السياسية أم النقيض, لكن قد يكون من الخطأ أن نرى وسط الاحزاب الديمقراطية والجمهورية في الولايات المتحدة كتلتين متراصتين كبيرتين: تضم تشكيلة واسعة من الآراء وتنوع من الثقافة الاجتماعية التي تعكسها الدول.
من جهة اليسار يتحاذى الليبراليون ويتشبثون بالليبرالية, أما اليمين فيشايعون الحصافة المالية ويدافعون عن القيم الاخلاقية, وبذلك يعمل كلا الحزبين بتحالفات المصالح: وهكذا فهما يعملان بآلية تدعم تثبيت السلام الداخلي والوحدة الوطنية, ضمن إطار مجتمع غير متجانس ونظام فيدرالي لامركزي.