ثمانية أعوام بعد حادثة ثانوية كولومبين في ولاية كولورادو عام 1999 حيث أقدم اثنان من التلامذة على قتل/12/ زميلا لهم بالإضافة إلى المعلم قبيل انتحارهما ,وعلى إثر تلك الحادثة أخرج مايكل مور فيلمه الوثائقي bowling for colu bine الذي لا يزال يعتبر أفضل تحقيق شعبي يتناول ثقافة السلاح والعنف في الولايات المتحدة ,
وكان يرمي مور من ورائه تقديم تعليل لجريمة كولومبين, ويحاول الاحاطة بأسباب ارتفاع معدل الجريمة الشنيعة في الولايات المتحدة عن باقي دول العالم,حمله وجهة نظره حول دور السياسة الخارجية الاميركية المجنونة, ولهاثها المحموم لامتلاك أسلحة التدمير الشامل في تطوير ثقافة العنف ,وبصورة أدق سلط مور الضوء مور على الوسيلة التي خلفت فيها وسائل الاعلام الأميركية عبر تغطيتها الهاجسية للجريمة,مناخ الخوف في هذا البلد, مناخ انتهى إلى التشجيع على العنف.
وأثارت الجريمة التي دارت أحداثها في كلية البوليتكنيك في ولاية فيرجينا وراح ضحيتها/33/ طالبا جدلا قديما وحديثا ولكنه عقيما حول حرية بيع السلاح وامتلاكه بشكل مشروع في أميركا.
وبعيدا عن احصائيات عدد قتلى السلاح في أميركا والتي يحاول كل واحد تفسيرها حسب مصالحه أو مفهومه عن المجتمع فقد طرح ارتفاع عدد قتلى السلاح في بلاد العم سام من جديد لدى الرأي العام هناك مشكلة تطبيق التعديل الثاني للدستور الأميركي والذي يضمن منذ عام 1787 حق كل فرد أميركي حمل سلاح,وكان يعني حينها حمله للدفاع ضد الاستبداد الانكليزي من خلال ميليشيات مستعدة للتدخل عند أقل حادث.
حروب الانفصال ,وغزو الغرب وإبادته للشعوب الأصلية في المنطقة, وكذلك اقتسام الأرض بقوة البندقية أمور أدت إلى انغراس ثقافة العنف في البلاد وإن ما أضفنا إليها تشريع عقوبة الاعدام في معظم الولايات, ورواج تجارة المخدرات,تعطي ملامح قاسية لمجتمع تدفع الكثير من الاوروبيين يشعرون بأنهم أفضل من الأميركيين ولكن لا ينسى الأوروبيون جرائم قتل بشعة حصلت فصولها فوق أراضيهم مشابهة لحادثة جامعة فيرجينا.
ففي عام 2002 قتل طالب/18/ شخصا في منطقة أيرفور ,في بريطانيا قتل طالب أيضا/16/ من زملائه مع معلمهم قبل أن ينتحر عام 1996 دون أن ننسى القتلى الثمانية في مجلس بلدية نانتير في فرنسا عام ,2002إذا جنون القتل (للأسف) لا يعرف حدودا.
ويتعين من أجل تعديل الدستور الحصول على أغلب ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ ولغاية الآن لم يحرز نص التعديل على الدعم الكافي له .
وذكرت منظمة العفو الدولية منذ فترة ليست بالبعيدة أن إدارة الرئيس بوش صوتت لصالح قانون عام ,2002وتبنته بعض الولايات يهدف إلى حماية مصانع السلاح من الملاحقة القضائية ,وخلصت دراسات حديثة في الولايات المتحدة إلى أن نسبة 70% من السلاح دخل إلى الأسواق غير الشرعية في غضون ثلاثة أعوام.
وفي ولاية مثل فرجينا يمكن لمن بلغ سن/12/ شراء بندقية صغيرة دون موافقة والديه.
وذكرت احصائية أن/80/ مليون أميركي يمتلكون السلاح في منازلهم أي إن /80/ مليون نسمة هم أعضاء في مؤسسة r.f k القومية والتي تعتبر أقوى لوبي سلاح ناري في أميركا ونفس العدد أيضا بالنسبة للأشخاص الذين يحملون معهم السلاح باستمرار إنه سوق لا يخضع إلى أيد خفية فحسب وإنما يخضع إلى لوبي مسيطر أعلن زعماؤه أنهم انفقوا من /20/إلى/25/ مليون دولار دعما للرئيس بوش عام 2004 ضد منافسه الديمقراطي جون كيري وقبل ذلك وخلال انتخابات عام ,2000دفعت حادثة كولومبين المرشح الديمقراطي آنذاك آل غور إلى الدعوة إلى اتخاذ اجراءات مشددة في مسألة امتلاك السلاح,الأمر الذي أفقده أصوات ولاية تنساس وكانت حينها كافية لحمله على الفور على منافسه جورج بوش,وإن كان مؤيدوا عقوبة الإعدام يخوضون معركة ضارية من أجل إلغائها فإن أي تقدم لم يلحظ في مسألة حمل السلاح وفي ظل استهتار عام أرزغ أو وأد الكونغرس الجمهوري عام 2002 حظر حمل البندقية الذي جرى التصويت له من قبل الديمقراطيين قبل عشرة أعوام.
وفي بلد ابتكروا فيه ( التسامح صفر)-غير موجود- ليس للسلاح الفردي أي أهمية, ففي المدن الكبرى استتب الأمن بها عبر نشر أعداد هائلة من قوات الأمن بينما في المدن المتوسطة( يسكنها حوالي نصف مليون نسمة) فينتشر فيها المتسولون والمهمشون المنبوذون وترتفع فيها نسبة الجريمة,واستقرت عصابات الاجرام فيها نتيجة هجرة الفقراء نحو الأحياء غير المحمية بينما الأغنياء أغلقوا على أنفسهم ضمن تجمعات محروسة جدا.
إضافة إلى ذلك شهدت الولايات المتحدة ارتفاعا بمعدل عمليات القمع مع وصول الرئيس بوش إلى السلطة حيث ضربت أميركا الرقم القياسي في العالم من حيث عدد الموقوفين لديها في السجون, وأشارت احصائيات نشرها مكتب التحقيق الفيدراليf.b.iفي أيار المنصرم أن مليوني ومئتي ألف موطن أميركي يقبعون خلف القضبان وهو رقم يخفي خلفه عنف تتصاعد وتيرته منذ عام ,1990وعنف الدولة عجز في التصدي للعنف الاجتماعي ولثقافة الاقتصاص الشخصي,إلى درجة أن النقابة الأمنية الرئيسية اشتكت من انخفاض عديد قواتها الأمنية في الولايات التي تخفض شيئا فشيئا من مخصصاتها, والأموال التي ضمنها البيت الأبيض ذهبت معظمها إلى صندوق مكتب التحقيقات الفيدرالية بهدف محاربة الارهاب والتجسس على المواطنين حسب تقنيات وصفها جورج أورويل.
كما وخضعت النفقات العامة إلى تقتير شديد نصت عليه سياسة سعت إلى خفض ضرائب الأغنياء أولئك الذين تعاني ثرواتهم من تخمة كبيرة بحجة أنهم مفتاح النمو في البلاد, بينما يضرب عدم الاستقرار أطنابه في الأحياء الفقيرة ليطرح بالتالي أعداد اجديدة في سوق تجارة السلاح والمخدرات وخلق المناخ الملائم لنمو الجريمة والجنح ذكرتها الاحصائيات ودون شك ليس من قبيل المصادفة أن تشير الأكاديمية الوطنية للعلوم أن 31,3 مليون أميركي يعيشون الفقر أي ما نسبته 14.1% على عدد السكان وثمن النمو يستحق الفخر! بحيث يجعل من إعادة عرض فيلم bowling for colombine ليس كافيا لقهر العنف.