استراتيجيته وما الذي يضبط العلاقة مع الجمهور, النص أم الشخص, أم الزمن, ومن ثم هل ثمة نصوص تحوز رضا المتلقي لحظة سماعها من منبر ما, أم ثمة نصوص هي نصوص قراءة فحسب?!.
يحيل البعض تلك الاشكالية المزمنة على الزمن (السارق الأكبر) للتلقي, أليس هو زمن البخور الذي تقاربه القاصة عبير كامل اسماعيل في مجموعتها القصصية الجديدة (زمن البخور) بعد مجموعتها الأولى (للثلج لون آخر)!.
بالطبع لدى القاصة ما تقوله وهي تضبط مقولاتها في نسيج لغوي منكشف بمضمره حدّ الشفافية والوضوح, تماما كوضوح موضوعاتها الثاوية في متن سردها ويبدو أن حضور الموضوع خارج تنميط القصة وتقاناتها التي تجعل من الكلمة مسرح اللعب بامتياز, سيستغرق المجموعة الموزعة على ثماني قصص قصيرة وثلاث وعشرين قصة قصيرة جدا, وست بديهيات, وهذا التوزيع الاجناسي هو خيار اسلوبي, المقصود منه التنوع الحكائي, مع الانتباه الى المجازفة أحيانا والمكابدة أيضا في التكثيف, حد التكلف لا سيما في القصص القصيرة جدا على سبيل المثال.
زمن البخور وباتساع دلالة العنوان, سيدلف بنا الى مناخات سردية مغايرة حداثتها في ما تطرحه من موضوعات مفتوحة بمجاز الأنثى, القابعة خلف حكاياتها (أنثى ولكن, ذلك الآخر, إنها لا تستحق, للقصة بقية), وتوهج مونولوجها سرديا ووصفيا وعلى مستوى الشخصيات الحاضرة بأفعالها في الأغلب الأعم.
وربما نحت القاصة جانبا من الاسماء لدلالة الافعال وحركة الضمائر والأصوات التي يتلون فيها صوتها (السردي) بأصوات شخصياتها, المتحركة بدرامية اللغة والاسلوب والنهايات بمفارقاتها المتباينة. كما في (ضفاف) و(مواويل).
في أنثى ولكن, ثمة استثمار للفعل القصصي بمقولته المتحركة, في مقاربة العطب, والتشوه الروحي, كما الرياء الاجتماعي, الآخرون تتصالح (البطلة) مع قدرها, فقد قررت أن تجري عملية لقدمها الطويلة (فقد كانت آلاف الأرجل تتراقص أمامي في دبكة شعبية جميلة عقدت في ساحات قلبي, بينما الطل يندي قدمي التي أورقت, والتي صرت أقذفها إلى الأمام في مشية واثقة, ليراها ويحس بمذاق نعلها السادة الملتفة أيديهم على رقاب المساكين الى مخازن التاريخ) فالفعل القصصي بقصدية اللغة أدى وظيفة جمالية لجهة استثمار الموضوع, بمعنى أن القاصة -اسماعيل- تجاوزت بلاغة القصة التقليدية الى المغايرة والاختلاف, وهي تطلق مجاز الانوثة على متخيلها الاجتماعي والانساني الذي يهجو بتورياته التقاليد والاعراف البالية, فضلاً عن هجاء ثقافة متبلدة وقاحلة (أمسية ثقافية جدا).. وفي (للقصة بقية) يظهر البطل -الحلم- كاستعارة للواقع وتجاوز له, لتكون قصة رؤيوية بامتياز.. (حلمت بشاعر يقذف حمم شعره في وجه أمير متخاذل, برئيس أميركي لطيف يأمر بالمعروف وينهى عن العدوان, بطفل عاد إليه رأسه فأخذته أمه بين ذراعيها لتكمل إرضاعه).
زمن البخور لا يختزل باحدى قصص المجموعة بل يأخذ مداه على متسع قول قصصي كان أكثر بلاغة بجمالياته وفي تشكيله اللغوي في مجموعة القصص القصيرة وفي القصص القصيرة جدا أثقل بالمباشرة, دون تجاوز أن الدهشة والمفارقة ليستا كافيتين لانتاج نص ممتع مع لزومها كخيار أسلوبي, فهي أي القاصة أكثر حرية في قصصها القصيرة, وبانتباهها لمستويات الجملة والتراكيب وشاعرية العبارة ودقة إيحائها, بانفتاح معجمها اللغوي على السهل الممتنع.
زمن البخور أبعد من خصوصيته قولاً نسوياً إلى جدلية الخاص والعام, نكهة جديدة تظهر بإبداع مختلف لا تكون جماليته مجرد شكل وحسب, بل تحريض دائم الاثارة لهواجس نسوية/ إنسانية.
الكتاب: زمن البخور
تأليف: عبير كامل اسماعيل
الناشر: دار كيوان
الطبعة الأولى: 2006