حتى ملابسه تساعده فيها , و لا تأكل حتى تطعمه بيدها و كأنها لا تريد لحبل السرة أن ينقطع بينها و بين طفلها ... و كثير من الآباء لا يدركون أهمية تعويد أطفالهم الاعتماد على أنفسهم و ضرورة التدرج في تلقينهم و تعويدهم الانتقال من التواكل إلى الاستقلالية و الاعتماد على أنفسهم , بحيث يتخطون حياة الطفولة ليقيموا علاقات أصيلة يتوازن فيها الأخذ مع العطاء و الاتحاد مع التمايز و الخيال مع الطموح , كل ذلك لنصل إلى الاندماج بالمجتمع و الاعتماد على الذات حتى لا نصل إلى شخصية اتكالية مهتزة غير قادرة على التأقلم مع المواقف و لا اتخاذ قرار و غير مستعدة لمواجهة تحديات و متطلبات الحياة .
و الحل يبدأ من الأب أو الأم أو كليهما و ذلك بالحرص على تنمية سلوك الاعتماد على النفس لدى الطفل و منحه الفرص التي تدفع به تدريجياً إلى اتخاذ مواقف فاعلة في الحياة من خلال إشراكه في أعمال لا تتناسب مع قدراته الذهنية و البدنية و مع عمره الزمني و في نشاطات تعزز من ثقته بنفسه و تزيد من قدراته و خبراته للتعايش مع الحياة كفرد مستقل و ناجح في المجتمع .
إن إفراط الأم في حماية طفلها تحت شعار رعايته سيؤدي إلى الإضرار ببناء شخصيته و بصحته النفسية لأنه سيقود لاعتماد مبالغ فيه على الأم و سيسبب له أشكالاً مختلفة من المظاهر العصابية و منها ما أسماه علماء النفس ( الهلع المدرسي ) فيرفض الذهاب إلى المدرسة , لأنه يخشى الابتعاد عن أمه التي حالت بينه و بين تكامل مقومات شخصيته بإبقائه قابعاً لها فلا تتيح له تأكيد ذاته و تزعزع ثقته بنفسه و تزيد قدرته و إمكانياته .
و يشير الباحث عبد العزيز الخضراء إلى أن الأطفال الذين لم يمنحوا فرصاً للتعامل مع غيرهم من الأطفال لن ينالوا نصيبهم من الاستقلالية , و سيكشفون خلال مجريات حياتهم عن عقد دفينة في شخصيتهم مثل التمركز حول الذات أو التشبث بأحد الوالدين .
إن افتقار الطفل لإبداء بعض الاستقلالية الصادرة عن الأبوين يخلق ذوبانا عاطفيا في الأهل أي التبعية المفرطة التي تبعده مستقبلاً أن يكون متمايزاً عن الآخرين و هذه التبعية توقظ عدواناً كامناً كردة فعل نفسية تجاه الذات و تجاه الأهل و المحيط و الكون , عدواناً يغذي بدوره مشاعر الذنب التي تؤدي إلى تعميق التبعية كمحاولة نفسية لا واعية لاسترضاء الأهل .
لو قلب كل منا صفحات تاريخنا مع أطفالنا و كيفية تربيتنا لوجدنا سلسلة لا تنتهي من النواهي و الأوامر التي لا تتوقف و كلمة لا تسبق عدداً كبيراً من الأوامر و المنع .
فالأفضل لنا الانتقال من مرحلة النواهي و الأوامر إلى مرحلة النضج التربوي و لا يتحقق ذلك إلا بالجهد المتناغم عبر جدول زمني يمكن تطبيقه ضمن عناصر أساسية تضمن نجاحه و هي الآذان الصاغية و المهارات التربوية و اكتساب افاق جديدة من التفكير و العمل تساعد على توجيه الطفل و تفهم مشاعره و تفكيره و أغراضه بالحوار الهادئ البناء .و يدعو الاستاذ الخضراء إلى وعي أسري يتفهم فيه الوالدان متطلبات مراحل النمو عند الطفل بقصد بناء شخصية ناضجة ليست تابعة و لا ضعيفة , شخصية قادرة على تحمل المسؤولية و تتمتع بالحرية و الاستقلال .