مضى على الواقعة ثلاثة أرباع القرن, ومع ذلك دخلت في تاريخ موسيقار الأجيال
محمد عبد الوهاب بل في تاريخ الفن الغنائي العربي, وملخصها أن عبد الوهاب عندما قدم ليغني في حلب, لم يحضر حفلته الأولى سوى بضعة أشخاص من كبار السن, ما شكل صدمة لعبد الوهاب الذي خرج من مصر نجماً, ولكنه عرف فيما بعد أن هؤلاء هم لجنة الحكم على الفنان, وفي الحفلة الثانية كانت الصالة تغص بالسميعة.
الواقعة شهيرة وقديمة لكن رأيت أن تكون مدخلاً للحديث عن طريقة اكتشاف المواهب الغنائية العربية, حيث أصبحت الرسائل القصيرة صاحبة القرار في الحكم على جودة الصوت, وأصبحت سيقان المتسابقة ووجهها المصبوغ بالألوان, وطريقة تصفيف شعر المتسابق وشكله مؤشرات أساسية في التصويت.
تتسابق الفضائيات العربية الآن على اكتشاف الأصوات الغنائية, وبعد أن كنا أمام برنامج واحد, أصبحنا الآن أمام أكثر من عشرين برنامجاً و(الخير لقدام),وتسعى كل فضائية أن يكون لها برنامجها الخاص في اكتشاف المواهب الغنائية, ومنها على سبيل المثال: ستار اكاديمي -سوبر ستار -ألبوم -نجوم الخليج -إكس فاكتور -زي النجوم -ماشن فاشن -نجم النجوم, إضافة إلى برامج مسابقات الجمال والازياء والشعر والزجل والقصائد البدوية ورجال الأعمال والأعراس.
ونبشر السادة القراء بالتحضير لعشرات البرامج بطلتها هذه المرة القنوات الفضائية العراقية, بعد أن قدمت إحداها برنامج ستار العراق بتمويل من شركة اتصالات, وفي الطريق أيضاً ستار المغرب العربي, وما حدا أحس من حدا.
عشرات البرامج وعشرات المغنين توجوا من بين آلاف المتسابقين, ومع ذلك فالنتائج تكاد أن تكون صفراً, والمصيبة الأكبر ليس في الأصوات الغنائية فقط بل في أسلوب برامج الهواة الموزعة قياماً وقعوداً بين الفضائيات العربية ذاتها وكلها منقولة حرفياً عن برامج أجنبية.
ولا ننكر ظهور بعض الأصوات الجميلة لكنها ضاعت وسط كثرة الأصوات الرديئة الناشزة, والسبب الأساسي في عدم ظهور أصوات تلفت الانتباه أن الفضائيات استهلكت معظم الأصوات الغنائية الجيد منها والمتوسط والرديء ولم يبق في الميدان سوى حديدان.
وهذا ما يفسر أن الذين لم يتوجوا نجوماً للغناء في برامج المسابقات الغنائية أصبح لهم حضور أفضل على الساحة الغنائية من النجوم المتوجين الذين فشلوا في إثبات نجوميتهم في مواجهة الجمهور,لأن الحكم هنا أصبح للذواقين والسميعة وليس عن طريق ال sms أو email التي تتلاعب بها شركات الاتصالات مع إدارات الفضائيات.
في السابق كان على المطرب أن يثبت عذوبة الصوت وقوة الأداء الغنائي أمام لجنة الاذاعة الصارمة التي لم تخيب آذان مستمعيها, ولا سيما في إذاعتي دمشق والقاهرة, وهي لا تزال كذلك إلى يومنا هذا, كما قدم التلفزيون عشرات الأصوات من خلال برامج الهواة وكان أقدمه ركن الهواة في التلفزيون السوري واستديو الفن في تلفزيون لبنان, وحفل أضواء المدينة في القاهرة, ولا تزال الأصوات التي تخرجت من هذه البرامج تتربع على عرش الغناء العربي رغم أنف الفضائيات.
ومن الواضح أن برامج الهواة الغنائية وغير الغنائية تحاول بقصد وبغير قصد ابعاد الشباب العربي عن قضاياه المهمة وتنسيه الأخطار المحدقة به الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية, ليكون سهلاً عليه تقبل الهزائم المتلاحقة,ومن جانب آخر تستنزف قروشهم القليلة.
وتحضرني بهذه المناسبة دراسة أظهرت أن المراهقين العرب ينفقون أكثر من ثلاثة مليارات دولار سنوياً على رسائل sms المرسلة الى القنوات الفضائية العربية التي تعرض أغنيات خليعة,وتتقاسم الفضائيات أموال المرهقين مع شركات الخليوي وشركات خفية تشتري من مؤسسات الاتصالات أرقاماً هاتفية يطلق عليها الأرقام الذكية وتختص غالباً بالاتصال بالفضائيات.