تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


في مواجهة الحرب النفسية

شؤون سياسية
الأثنين 28-3-2011م
بقلم: عبد الرحمن غنيم

كانت أساليب الحرب النفسية حتى زمن قريب تمارس عبر وسائل محدودة التأثير، مثل الأخبار المدسوسة في بعض الإذاعات والصحف والمجلات، التي قل أن يتعامل معها الجمهور المستهدف،

أو المنشورات الورقية التي يلقيها العدو في ميادين القتال وتحاول التأثير على معنويات المقاتلين المستهدفين بالعدوان، لكن زمن هذه الأساليب ولى وانقضى تماماً، وحلت محلها أساليب جديدة، تتمتع بالانتشار على مستوى عالمي، وبالتواجد في كل بيت تقريباً، فيما يمكن اعتباره إعلاماً عولمياً يشمل كوكب الأرض بأسره.‏

والأساليب الجديدة في الإعلام تعتمد على الأدوات الأساسية التالية:‏

أولاً: الفضائيات التلفزيونية ذات الانتشار العالمي تساندها الإذاعات كعامل مساعد أو معوض في بعض المواقع.‏

ثانياً: شبكة التواصل أو الوصول إلى المعلومات على الإنترنت حيث جرى محو الحدود بين الدول بشكل كلي.‏

ثالثاً: أجهزة الهاتف المحمول المتطورة، وهذه الأجهزة قد تتجاوز الشبكات المحلية، كما أن بعضها تملك إمكانية تصوير الأحداث ونقلها بوسائل الاتصال الإلكتروني إلى أي مكان حول العالم، كما أن مالكها بات مراسلاً متطوعاً.‏

رابعاً: أجهزة الاتصال القادرة على نقل الصورة والصوت إلى أي مكان في العالم من خلال الربط بالأقمار الصناعية،وهي الأجهزة التي يحتاج إليها المراسلون في الميدان.‏

إن التكامل الحاصل بين هذه الأدوات أوجد بشكل واضح البيئة الملائمة لتدبير الحرب النفسية على أوسع نطاق ممكن، فإذا كانت الإشاعة هي الأسلوب المعتمد في الماضي، وغالباً ما كانت تبث من خلال الإذاعات، ويحتاج انتشارها إلى برهة ليست قصيرة من الزمن، فإن الإشاعة الآن يمكن أن تنشر على صعيد الكرة الأرضية كلها في أسرع وقت، بل إنها يمكن أن تنتشر بسرعة انتشار النار في الهشيم أو أكثر.‏

ومن الطبيعي أن نفترض بأن العدو الصهيوني، وهو الذي دخل مجال التقنية المعلوماتية منذ زمن مبكر، قد أوجد الدائرة أو الدوائر المختصة باستغلال التقنيات الجديدة في ممارسة الحرب النفسية، وخاصة في مجال إثارة الفتن، ومن المؤكد في هذا السياق ألا يعتمد العدو على وسائل إعلام معروفة بتبعيتها له بشكل مباشر، فلا محطات التلفزة الإسرائيلية تبدو ذات أهمية في هذا السياق، ولا ما تسمى بـ« دار الإذاعة الإسرائيلية» باتت تشكل مصدراً مهماً لمزاولة الحرب النفسية، ومن المؤكد عندئذ أن تكون هناك محطات محسوبة على العرب وأخرى محسوبة على دول الغرب تقوم بمهام خدمة الحرب النفسية الإسرائيلية، وهو ما يضمن فاعلية أكبر لهذه المحطات، حيث إنه من طبيعة الأمور أن يشك الناس في إعلام العدو المباشر، بينما يكون تأثيرهم بالمواقع التي تدعي الاستقلال أو الموضوعية في نقل الأخبار دون وجود دوافع عدوانية واضحة وراءها أكبر بكثير،كما يمكن القول بأن موقع ويكيليكس يشكل جزءاً من شبكة المعلوماتية التي يستغلها العدو في حربه النفسية،وإن كان الدور المنتظر من هذا الموقع مستقبلاً أخطر بما لا يقاس من الدور الذي أداه حتى الآن، والذي كانت غايته كمرحلة أولى كسب ثقة الجمهور من أجل التمكن من أداء دور جدي في إثارة الفتن في مرحلة لاحقة، على أن ما هو أخطر منه يتمثل في تلك الفضائيات والصحف التي تضمن تعميم الوثائق التي ينشرها، والتي قد تنتقل من مرحلة الوثائق الحقيقية إلى مرحلة دس الوثائق المزورة الرامية إلى إثارة الفتن، والتي تخدم الحرب النفسية ضد العرب ودول العالم الأخرى.‏

وحين يكون الحديث عن الفئات العمرية التي تستهدفها الحرب النفسية في أيامنا هذه، فإن قراءة متمعنة للمشهد تشير إلى أن شريحة الشباب هي العنصر المستهدف الأول، وهذا يعود بطبيعة الحال إلى حقيقة أن هذه الشريحة هي الأكثر اهتماماً بالتعامل مع مواقع الاتصال الاجتماعي على الأنترنت، يضاف إلى ذلك أن العدو يعتقد أن هذه الشريحة هي الأقل وعياً بحقيقة ما يمثله الخطر الصهيوني من الأجيال التي عانت بشكل أطول من غزو الصهاينة، وهي أيضاً أكثر قابلية للانفعال والتأثر إزاء طرح شعارات معينة، وعلينا هنا أن نوازن في الواقع بين نوعين من المؤثرات على شبابنا أولها التأثير التربوي الذي يمثله البيت والمدرسة والمحيط، وثانيها التأثير الذي يمارسه تعامل أطفالنا مع ألعاب الكمبيوتر ذات التصميم الياباني بشكل خاص والتي تقدم شخصية البطل الساموراي الذي يناضل في عالم افتراضي مواجهاً كل احتمالات الخطر المفترضة مما يكرس في نفس الطفل/ الشاب استعداداً للمغامرة، ورغبة في التحرك في عالم افتراضي حقيقي!‏

إن اكتساب الطفل/ الشاب لملامح هذه الشخصية ليس مشكلة في حد ذاتها، ولكن بشرط أن يكون واعياً بشكل جيد للأهداف الوطنية والقومية التي يجند هذا الشعور في خدمتها، وهنا نلاحظ أننا نقف أمام منهج تنمية بعض الفضائيات ينحصر في التحريض على تبني شعار« التغيير» باعتباره سبيل تحقيق« الحرية» ولكن دون تحديد الأهداف التي يتم توخيها من التغيير.‏

وعند هذه النقطة- ودون إسقاط الاستنتاجات على الواقع بالضرورة لأن الواقع قد يتجاوز شروط اللعبة المفترضة- علينا أن نتذكر أمرين:‏

أولهما: قيام بعض الفضائيات العربية والأجنبية بالربط بين شعار« التغيير» وبين مشروع الشرق الأوسط الجديد. هكذا بكل صراحة، وكأنها تجهل أن هذا هو مشروع إسرائيلي طرحه رئيس الكيان الصهيوني شمعون بيرس في كتاب له بعنوان« الشرق الأوسط الجديد» وهذا الشرق الأوسط الجديد مطلوب منه أن يتقبل وجود إسرائيل وأن يطبع العلاقات معها وأن يقبل بالتكامل بين المال العربي والخبرة التقنية الإسرائيلية.‏

وثانيهما: الصلة المحتملة بين شعار« التغيير» وبين سياسة«الفوضى الخلاقة» التي تبنتها إدارة الرئيس الأميركي بوش الابن، والرامية إلى إقامة أنظمة جديدة في الوطن العربي مصممة وفق المعايير الأميركية، وتهدف إلى بناء « الشرق الأوسط الجديد» أو « الكبير» لتتكامل بشكل واضح مع المشروع الإسرائيلي.‏

ورغم هاتين الشبهتين الخطيرتين، تظل هناك حقيقة مؤكدة، وهي أن القوى المعادية قد تتمكن من خلال الحرب النفسية أن تخدع البعض، لكنها لا تستطيع أن تضلل الجماهير الواسعة.‏

وعلينا أن نتذكر المقولة اليسارية الثورية القائلة بأن « الشعب دائماً على حق» وهي مقولة تشكل أحد المبادئ الأساسية التي يلتزم بها أي حزب ثوري في تعامله مع مجتمعه. إن الحزب الطليعي الثوري هو الذي يتلمس مطالب الجماهير وتطلعاتها ويتبناها ويعمل على تحقيقها، ذلك أنه يستمد شرعية وجوده كطليعة ثورية من تعبيره عن إرادة الجماهير الشعبية ومصالحها وأهدافها وتطلعاتها.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية