وبعد الانتصار في الحرب العالمية الثانية جاءت الحرب الباردة التي كانت نتائجها انتصاراً لأميركا في الثمانينيات وأعلن بعدئذٍ عن نهاية التاريخ، وكأن ذلك كان نجاحاً آخر لأميركا، وبدا إكمال ذلك النظام العالمي الذي أنشأته أميركا وشيكاً لكن عندما حصلت هجمات الحادي عشر من أيلول أصبحنا منذ ذلك التاريخ أمام غياب للنظام العالمي وليس هناك نظام عالمي جديد.
يعتقد الكثيرون في أميركا وعدة أماكن أخرى أن الصحوة الديمقراطية الحاليةفي البلدان العربية والتي بدأت منذ كانون الثاني الماضي ستعزز وتقوي النظام الديمقراطي بشكل عام في جميع البلدان العربية تقريباً وأن أميركا ستقوم بدور قيادي ملحوظ..
لكنني أعتقد شخصياً أن ذلك مستبعد جداً وذلك لأن الإلتزام الأميركي خلال الأربعين سنة الأخيرة على الأقل كان تجاه النظام غير الديمقراطي الذي يسود الشرق الأوسط وتجاه الحروب الثلاث وعدد من اختراعات «الشرق الأوسط الكبير» الصغيرة وغير الموفقة التي زرعت بذور اضطرابات بدأ حالياً يغير الأوضاع الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط .
فالانتفاضات الشعبية هي السبب المباشر للإضطرابات السائدة حالياً، لكن أميركا متمسكة ببقايا الماضي غير الديمقراطية وتأمل في الوقت ذاته بمزيد من الديمقراطية لكن إذا ترسخت هذه الديمقراطية في مصر وبقية الدول العربية فإن إسرائيل التي تزداد غطرسة وعنجهية وتستولي على الأراضي الفلسطينية وتستبدل سكان القدس والضفة الغربية ستجد نفسها أكثر عزلة بشكل متزايد ومعها ستجد ومعها ستجد أميركا نفسها في وضع صعب..
إن التحالف المدمر الذي شكلته إدارة أوباما (على غرار مافعلته إدارة بوش قبلها) مع حزب «الليكود» التوسعي في إسرائيل يمثل حقيقة عقبة أمام احتمال قيام صداقة أميركية مع الديمقراطية العربية. كما أن الفيتو الذي استخدمته أميركا مؤخراً ضد ماكان سيصبح قراراً مندداً بالإجماع من قبل مجلس الأمن الدولي بأعمال القضم والتوسع في بناء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية من شأنه أن يعجل بالخطة التي سيرفع فيها الفلسطينيون القضية إلى الجمعية العامة وليس مجلس الأمن الدولي التي صوتت لقيام إسرائيل داخل أراضي فلسطين عندما كانت تقسمه وتحت الانتداب مع العلم أن الجمعية العامة ضمنت خير ورفاهية الفلسطينيين الذين تم الاستيلاء على أراضيهم وهكذا سيطلب الفلسطينيون اليوم الاعتراف بهم كحكومة ودولة مستقلة توجد داخل الحدود التي اعتمدتها الأمم المتحدة وبأنهم تحت احتلال عسكري غير شرعي كما سيطالبون الجمعية العامة بفرض التقسيم وفق الشروط الجغرافية الأصلية..
وإذا كانت إسرائيل تعتقد بأنها ضحية حملة دولية تهدف إلى «نزع الشرعية» عنها حالياً فما عليها إلا الإنتظار لترى حدوث ذلك حقيقة. فصديقتها الوحيدة أميركا ستكون فاقدة للمصداقية بسبب تخليها عن حلفاء عرب سابقين والتزامات سابقة خاطئة ومتهورة إضافة إلى إخفاقها الذريع في العراق وأفغانستان.
ثم إنه يجب على الإسرائيليين أن ينتبهوا إلى أن أميركا ليست حقيقة صديقة فعلية لإسرائيل لأن علاقتها موصومة بالنفاق حيث أن أميركا رفضت منذ البداية ومازالت ترفض رسمياً قبول خرق إسرائيل للقانون الدولي واستيطانها اللاشرعي في الأراضي الفلسطينية. صحيح أن أفعالها تشير إلى عكس ذلك إلا أنها تناقض التزامات أميركا الرسمية فقط لأن اللوبي الإسرائيلي اليميني في أميركا يمسك بمسدس يوجهه إلى ظهر الكونغرس ولذلك الجدير بإسرائيل أن تحترس .
وكانت إدارة أوباما نفسها أطلقت سياستها الشرق أوسطية في عام 2009 بالمطالبة بوقف الاستيطان الإسرائيلي ثم تراجعت بجبن عن تلك المطالبة بعد أن تم رفضها بإزدراء لكن الشخص الذي سيخلف أوباما سيرث نفاق اختيارات السياسة الأميركية السابقة في الشرق الأوسط، وسيجد نفسه عدواً للحكومات التي ستستلم في نهاية المطاف مكان الأنظمة المخلوعة في تونس ومصر لكن قد يكون هو ومستشاروه أكثر استعداداً من أوباما لقبول النصيحة(المرة والواضحة سوية) المنسوبة لميكيا فيلي والتي تقول: يجب على الحاكم الذكي- وليكن الرئيس الأميركي- أن لايبقى وفياً إذا كان ذلك سيكون ضد مصلحة- بلاده وقد يستطيع المرء أن يضيف أن هذه نصيحة جيدة عندما يكون المرشح للخيانة عازماً على القيام بانتحار وطني كما هو عليه حال إسرائيل اليوم تحت حكم حزب الليكود- الرجعي والتوسعي....
بقلم: وليام فاف