أتعلمُ ما هي الأربعون على امرأةٍ ,
تعدُّ أيامها حزناً.. حزناً..
ترقب بعين أنثى تسَّاقُطَ ربيعها
على قارعة الذبول؟!
الأربعونَ: انتظارٌ
والانتظارُ: نصف الموتِ!
حكمة المحاصرينَ على أطلال الأمل
أنا ابنة الانتظارِ وأمُّ ساعاتهِ
بطءُ جريانهِ على تضاريس جسدي
نزيزُ البحرِ مِن ثقب إبرةٍ
تقويمُ الزمن المعدنيِّ
فلكمْ تقويمكم
ولي تقويمي: أيامٌ من الحيرةِ والتَّلهُّف
والترّدُّد.. و الأحلامِ
فكلُّ الفصولِ لديَّ خريفُ..
أربعَّينيةٌ أنا..
هوايتي جمع الساعات المعطَّلةِ
ولي أنْ أحرسَ الوقتَ
ولي اكتمالُ القمرِ كلَّ شهرٍ ..
وردةٌ حمراءُ تذبلُ مِنْ عفَّةٍ أوانَ التَّفتُّحِ..
ولي اشتهاءُ الأرض للمطرِ
لكنَّ هذا العقلَ ناطورٌ قاسي الملامحِ لا يكِفُّ عن اللا..لا
أنثى أنا
فهل تسمعُ كلَّ ليلةٍ نداءاتي
وعويل الكبتِ خلف الجدران؟
وهل سمعتَ يوماً هسيسَ نهديَّ تحت قمصانِ النومِ
أو فكَّرتَ بفساتيني التي تسفُّ البرودةَ في ظلمة الخزانةِ؟
أنثى أنا ..
ولي بساتينٌ ودوحْ
فهذا التفاحُ العامر ُمِغلاقُ باب الجنّةِ لي
ولي هذا الخصر اللائبُ: حبلُ أمطارٍ استوائيةٍ ليْ
وأنا لكْ
قمصاني لم تُقَدّ مِنْ دُبُرٍ ولا مِنْ قُبُلٍ قطُّ حتى اليومَ
وأنا امرأة العزيز ولستَ يوسُفَ
وأنا لكْ..أنا لكْ.. فهيتَ لكْ..
*********
لي أربعونَ قهراً
وسجائرَ أُرممُ بها ثقوب الشهوة في جسدي
لكنَّ جوعي للأمومة أكبرْ
أنثى .. ولي قلبٌ ولي جسدٌ.. وأمنياتي صغيرة..
ولي ما شئتَ مِنْ انتظارٍ ورمادْ
لي برودةُ الفراشِ,
وطموحُ المخدّةِ لرأسينِ متعانقين كزوج حمامْ
ولي الأيامُ الحبلى بالمواعيد السرابِ,
والشموعُ المطفَأةُ
والأوراقُ الصفرُ أواخرَ أيلولَ ليْ
أيلولُ يا مختصر الصَّيفِ
يا حادي الخريفِ والعنبِ
تُعصرُ العناقيدُ فيكَ للندمانِ
ونبيذي في خوابي الانتظار يُعتَّقُ من عامٍ لعامْ
وها قد مضى اليوم أربعون عاماً
ولا أحدْ..
كانونُ يا راهبَ الغربةِ والبردِ حليفي
لكمْ كانونكمْ.. ولي كانونيْ..
كلُّ أحطابِ الكونِ لا تكفي
ليسريَ الدفءُ في شراييني..
**********
يا لأحلامِ العذارى.. ثوبُ عرسٍ أبيضَ ,
وزوجٌ وطفلٌ يملأ النهدينِ حليباً إذ ترتعش شفتيهِ
بالشَّدوِ « ماما «
هجرناكِ يا أحلام العذارى
فلِلأحلامِ الآن أن تصغر أكثرْ
ولأمومتيِ أن تصغُرَ.. تكبُر تكبُرَ أكثرْ
ولطفليَ أن يكبرَ أكثرَ أكثرْ
وإمَّا يبدأ المشيَ ينادي قلبي عليه:
( يا ولدي: لا تخرج إلى الشمسِ
أخشى على ظلِّكَ أن يقع على الأرضِ )
وأنا في الليل... وحدي وسريريْ
لا لستُ وحدي
فبقربي طفلي أمسح شعرهُ
وأُهدهدُ له لينامْ
( نامْ ..نامْ.. يالله تنام
لادبحلك طير الحمامْ..)
وبعد قسطٍ من تأملهِ بين ذراعي
أجسُّ جبينهُ الغضَّ بقلبِ أمٍّ مموسةٍ بالشّغفِ
فيطيرُ صوابي
يا لحمَّائِهِ.. يا لحمَّائِهِ
أهرعُ إلى الهاتفِ.. ألو دكتور
إنَّ طفلي مريـ...
أتلفَّتُ إلى السَّريرِ وأصيح
أين طفلي؟! أين طفلي؟!
فأتداعى كأكوامِ رملٍ عاجَلَها الموجُ
ثمَّ أُدركُ أنه لم يكنْ في الغرفة غيري
وأني وحيدةٌ.. أحرس الوقتَ الذي
لا ينامْ....
**********
تكْ .. تكْ
إِبرُ الساعةِ في غرفتي المرميةِ على كتفِ الليالي
تثقبُ بؤبؤَ عين الرّوحِ
وتُشعلُ فيَّ لهفةَ الأُمهاتِ للصِّغارْ...
تكْ .. تكْ
الأرضُ تدورُ.. وأنا..
على قيد الانتظارْ.....