ياعزيزي، كان ينبغي أن ترى (هنري الثامن) العجوز عندما كان في عز شبابه، مليئاً بالحيوية ويتزوج كل ليلة زوجة ثم يقطع رأسها صباح اليوم التالي ويقول: أحضروا لي (نل جوين) فيحضرونها وفي الصباح يقول: اقطعوا رأسها.، فيفعلون. ثم يقول: احضروا لي (جين شاير) فتأتي وفي الصباح يقول: اقطعوا رأسها. فيفعلون. وهكذا.. إلى أن بلغ عدد الحكايات التي جمعها مما كانت ترويه كل ليلة إحداهن ألف حكاية وحكاية، ضمها جميعها في كتاب أسماه القيامة..
لاشك أن من يقرأ هذه الفقرة يدرك تماماً مدى التأثير الفعلي، بل والانتشار الكبير لألف ليلة وليلة وفي جميع أنحاء العالم هذه القصص التي أدت لدراسة الآداب الشرقية الخيالية، وإلى أن نشأت مدرسة كاملة لما سمي بالروايات والحكايات الشرقية، ما كان له أشد الأثر على أغلبية أدباء العالم ممن اطلعوا عليها فعشقوها، بل واقتبسوا من عالمها فضاءات لأعمالهم الإبداعية.
لكن ولأن أميركا اللاتينية هي عالم الواقع العجائبي والتمرد المسالم، فلقد كان أدباؤها أكثر تأثراً بالعالم السحري لألف ليلة وليلة، هذا العالم الذي فسح لهم مجال التخلص من عوالمهم الواقعية البائسة ليعيشوا بعدها عوالم أخرى وبأحاسيس روحانية وشديدة الجاذبية ومن هؤلاء الأدباء:
«غابرييل غارسيا ماركيز» الأديب الكولومبي الشهير والذي لا يخفى على دارس مقدار تأثره بسحر عوالم ألف ليلة، وخصوصاً في رائعته (مئة عام من العزلة) الملحمة التي تعتبر من أكثر مؤلفاته طموحاً، والتي جعلته روائياً على المستوى العالمي.
بيد أنه ومذ تفتح وعيه بدأ ينهل من الكتب التي احتوتها مكتبة جده والتي أول ما لفته فيها (ألف ليلة وليلة) الكتاب الذي ما إن قرأه حتى وقع في أسر عالمه الغرائبي واجداً فيه استمرارية للعالم الذي يعيشه وبدلالة قوله: إن المرأة التي تطير في أدبي طارت في ألف ليلة وليلة، والبطل الذي يستبصر في أعمالي يوم موته فعلها في ألف ليلة وليلة.
ننتقل إلى أميرة الحكاية الروائية التشيلية (إيزابيل الليندي) التي ومذ بدأت بكتابة رواية (بيت الأشباح) أكدت أنها شديدة التأثر بواقعية ماركيز السحرية، إذاً هي أيضا اطلعت على (ألف ليلة وليلة) وإلى أن استطاعت الولوج إلى فضاءاتها الخالية وبدلالة ما اعترفت به في روايتها (باولا) وهو أن تلك الحكايا أثرت على أعمالها أشد الأثر، ولاسيما أنها قرأتها في خفية عن أهلها ومع بداية تفتحها على الحياة (سن المراهقة) لتؤكد ذلك بقولها: تهت داخل الخزانة في حكاية سحرية، وعن أمراء ينتقلون على بساط الريح ولصوص ظرفاء يتسللون إلى أجنحة حريم السلطان متنكرين بزي عجائز، لقد كان للحب والموت طابع لعوب في صفحات الحب تلك وكانت المناظر والقصور والأسواق والأنسجة من الغنى والتنوع إلى درجة أن عالمي لم يعد هو نفسه على الإطلاق.
أما سندباد الأدب البرازيلي بالوكويلهو فقد بيّن مقدار تأثره بعوالم ألف ليلة وليلة التي حفزته للعودة إلى عالم السحر والرغبة في اكتشاف منابعه وعن طريق قراءته للآداب الشرقية مثلما رحلاته إلى أغلبية الحضارات العربية وإلى الدرجة التي دفعته للتصريح: إن ألف ليلة وليلة أهم ما قرأت في حياتي..
إنه الكتاب الخالد هذا ما وصفه به لطالما اعترف أنه استوحى روايته الخيميائي من حكاية قصيرة وردت في ألف ليلة وليلة، وهي حكاية تدور حول كنز مخبأ يبحث عنه البطل الذي غادر بلاده الأصلية ليجده أخيراً في داخله.
لايتوقف التأثير لدى هؤلاء الأدباء لنجده أيضا في أعمال الروائي البيروقي ماريو فارغاس يوسا الذي لم يخف ولعه بألف ليلة وليلة معتبراً أن الخيال هو الحياة، إنه بذلك يؤكد تأثره بتلك الحكايا السحرية مشيراً إلى أن أكثر ما أعجبه فيها شخصية شهرزاد التي قال عنها لقد علمتني تقنية الحكايات المتوالدة، وأيضا القدرة على الذهاب في التخيل إلى حدود لامتناهية.
اعتقد أن ما أوردناه من أمثلة ولأشهر أدباء أميركا اللاتينية يكفي لإثبات مقدار ما كان لألف ليلة وليلة من انعكاس على أدب أميركا اللاتينية وإلى الدرجة التي باتوا يوصمون فيها بسحر السرد والعجائبية، وليس فقط هؤلاء وإنما سواهم ممن وإن لم يكونوا قد حصدوا الشهرة ذاتها، إلا أنهم مازالوا يحلقون في فضاءات ألف ليلة وبدلالة أعمال وأقوال الكثير منهم وهم: الروائي والشاعر الأرجنتيني (خورخي لويس بورخيس) وأيضا الروائي والمفكر المكسيكي (كارلوس فوينتيس) وغيرهم ممن وإن غفلنا ذكرهم، لم يغفل التاريخ عن مقدار تأثرهم بسحر حكايانا الشرقية.