في وقت يكافح الحلف فيه للخروج من مستنقع أزمة عسكرية مزمنة في أفغانستان لطخت سجلاته بدماء المدنيين الأفغان على مدى نحو عشر سنوات من الحرب المستمرة هناك.
فمع كل المؤشرات التي تدل على أن المحرك الأساسي لأحداث ليبيا منذ بدء الأزمة حتى آخر ساعة من القصف الجوي الغربي للأراضي الليبية والشعب الليبي يرتكز على النفط ولا شيء سواه، بدلالة ما ذكره رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا وما عبرت عنه ألمانيا، لا يمكن لأحد أن يتصور أن حلف الناتو الذي يرتكب في كل يوم مجازر ضد الشعب الأفغاني، يتحرك لدوافع إنسانية محضة، إذ ليس في قاموس الحلف حماية المدنيين إلا من باب البحث عن ذريعة، وسواء اختلفنا حول جذور الأزمة الليبية أم اتفقنا، فإن ما يجري في ليبيا هو صراع بين طرفين مسلحين يبحث كلاهما عن كيفية القضاء على الطرف الآخر دون فتح أي مجال للحوار أو الحل السلمي،حيث يأتي تدخل الغرب هنا لإقامة (شرعية) جديدة على أنقاض شرعية أخرى قائمة بالقوة العسكرية وهذا مخالف تماما لميثاق الأمم المتحدة.
ولعل الأخطر في تدخل الدول الغربية منفردة أو ضمن قيادة الناتو هو أن يشرع مجلس الأمن عبر عشر دول فقط من أصل نحو مئتي دولة تتشكل منها منظمة الأمم المتحدة مثل هذا التدخل، ويقوم بتغطية استخدام القوة ضد دولة عضو في المنظمة الدولية فقط لأنها تختلف مع الغرب، في حين أن بإمكان دولة واحدة كالولايات المتحدة مثلا أن تشطب أو تنقلب على إرادة العالم عندما يتعلق الأمر بإدانة إسرائيل أو المطالبة بوقف مجازرها المتواصلة ضد الفلسطينيين العزل.
بطبيعة الحال، يبدو أن تدخل الناتو في ليبيا لن يتوقف عند حدود الغارات الجوية على خطورتها تجاه المدنيين لأنه لا يمكن للغارات حسم المعارك داخل المدن، وقد نشهد في وقت قريب إنزال قوات برية لفرض أمر واقع على الأرض، وعندها ستبدأ المجازر الحقيقية التي سيدفع الليبيون من كلا الطرفين ثمنها، وهذا لن يحول دون فاتورة باهظة يتعين على الغرب وحلف الناتو بوجه خاص دفعها ثمنا لأطماع وأهداف عدوانية لم تعد تخفى على أحد..وإن غدا لناظره قريب.