من فشل سياسة كل من جورج بوش الابن وطوني بلير في الإعداد لمرحلة ما بعد سقوط صدام حسين على هامش ارتفاع العجز الاقتصادي في الولايات المتحدة وتراجع سعر صرف الجنيه الاسترليني في المملكة المتحدة بالنسبة للدولار.
وها هو باتريك سيل الكاتب والمحلل السياسي البريطاني يسلط الضوء على المستجدات التي تهز أركان حكومتي واشنطن ولندن فيقول: في الوقت الذي يغوص فيه العراق أكثر فأكثر في مستنقع الكوارث التي حملتها حرب الحلفاء يتساءل العراقيون هل تلك الحرب كانت ضرورية وإلزامية? فلو رفض رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير المشاركة في تلك الحرب هل كان سيخوضها بوش الابن بمفرده? وإذا ما افترضنا أنه كان يتوجب على حكومة لندن كبح جماح واشنطن في اندفاعها لغزو العراق لكن (بلير) لم يأخذ تلك المبادرة ما ترتب تحميل كل من هاتين الشخصيتين مسؤولية ما حل بالعراق من مآسٍ وكوارث بعيد اندلاع الحرب, معاناة ارتبطت بارتفاع عدد الضحايا في صفوف المدنيين والعسكريين إلى جانب الخسائر المادية, الأوضاع المأساوية التي أصابت المواطنين العراقيين, كذلك يتحمل كل من بوش وبلير مسؤولية التفجيرات في قطاع الأنفاق بلندن خلال شهر تموز الماضي إضافة للتفجيرات الإرهابية المحتملة التي تهدد الآن معظم دول العالم دون استثناء.
وقد اتفقت غالبية المراقبين السياسيين على أن الحرب العراقية هي مشروع إجرامي ناتج عن ذرائع وحجج زائفة. فعندما فكر كل من بوش وبلير بالتخلص من صدام حسين كانا على معرفة تامة أن العراق لا يشكل تهديداً لبلديهما فالرغبة في تغيير النظام العراقي أمر لا يسمح به القانون الدولي وهو ما دفع كوفي أنان الأمين العام للأمم المتحدة للإعلان بأن الحرب على العراق لا تكتسب صفة الشرعية.
وانطلاقاً من وجهة النظر تلك فالاتهامات بامتلاك صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل وارتباطه بتنظيم القاعدة ما هي إلا ذرائع ساقتها حكومة الولايات المتحدة لإخفاء أهدافها الحقيقية الرامية إلى إحكام سيطرتها على منابع النفط في الوطن العربي وتحسين البيئة الاستراتيجية للكيان الصهيوني من خلال توجيه ضربة للعراق الدولة العربية الأكثر ثروة وقوة.
ولتضليل صناع القرار في كل من واشنطن ولندن للرأي العام العالمي تم تصنيع معلومات مزيفة في مطبخهما تناقلتها شخصيات عراقية أمثال أحمد جلبي وأصدقائه الجدد المؤيدين لإسرائيل في واشنطن.
ولسوء حظ كل من بوش وبلير يبدو أن الحقائق تدعم وجهة النظر القائلة بأن الحرب على العراق ما هي إلا مؤامرة إجرامية كما تدل الوثيقة المعروفة ب(مذكرة داووننغ ستريت) وتتضمن جلسات ترأسها بلير في 23 تموز 2002 لمناقشة الحرب القادمة على العراق وحصل بوش من خلالها على موافقة لندن بمساندته في حربه على العراق حين التقى به في مزرعته في كروفورد في شهر نيسان من العام المذكور.
وقد تم تسريب تلك الوثيقة السرية إلى صحيفة صنداي تايمز التي قامت بنشرها في مطلع أيار عام .2005
وتتضمن (مذكرة داووننغ ستريت) ملخص تقرير رئيس فرع الاستخبارات البريطاني ريتشارد ديرلوف الذي عاد من واشنطن بعد إجرائه محادثات مع نظيره الأميركي آنذاك. وقد توصل ديرلوف حينها إلى نتيجة مفادها أن العمل العسكري يبدو لا مفر منه.
وقد صرح جاك سترو وزير خارجية بريطانيا يومئذ قائلاً يبدو أن الرئيس بوش اتخذ قراراً بغزو العراق, إلا أن الذرائع التي يسوقها غير مقنعة وتفتقد للمصداقية, وصدام حسين لا يشكل تهديداً لجيرانه أما الأسلحة التي يمتلكها فإن فعاليتها لا تتجاوز مثيلتها في كوريا الشمالية.
واقترح جاك سترو آنذاك وضع خطة لتوجيه إنذار لصدام حسين بغية السماح لمفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة العودة إلى العراق.
وتكمن المشكلات التي واجهها بلير ورفاقه في كيفية تبرير الأعمال القمعية التي تم التخطيط لها, وتزداد اليوم الضغوط في البرلمان البريطاني لمحاسبة طوني بلير والتحقيق معه بعد توجيه عدد من كبار المسؤولين السابقين في حكومة لندن ضربة قاسية لمصداقية طوني بلير من خلال كتابين الأول جاء تحت عنوان (ليس حقاً بالدبلوماسي) تعليم (كريس باتن) الوزير البريطاني السابق والذي شغل منصب مفوض الاتحاد الأوروبي للعلاقات الخارجية لمدة سبع سنوات عام ,2003 ثم انتخب مستشاراً في جامعة اكسفورد في مطلع كانون الثاني عام 2005 انتقل بعدها إلى مجلس اللوردات البريطاني, ويدور كتاب باتن حول كيفية قيام الاتحاد الأوروبي بزعامة بريطانيا بإقناع الولايات المتحدة بالعودة إلى التعاون مع ألمانيا وفرنسا وبلجيكا إثر سعيها للعمل بمفردها بشكل أحادي الجانب متحدية بذلك القانون الدولي والمؤسسات الحكومية العالمية.
ويقول (باتن) بالحرف الواحد: أسوأ ما قدمنا لأميركا هو قيامنا بدعم بوش في غزوه للعراق. ثم يتابع: (يكمن دور الصديق المخلص في كبح جماح رغباته بدلاً من تجسيدها بشكل صريح).
وجاء الكتاب الثاني تحت عنوان (السر الأول) بقلم كريستوفر مايرز سفير بريطانيا السابق في واشنطن بين عامي 1997 و2003 ويتضمن انتقاداً لاذعاً ل(طوني بلير) وطاقمه إلى جانب تفاصيل مرعبة حول العلاقة التي تجمع بين بوش وبلير فهو أي بلير المسؤول جزئياً عن حالة الفوضى التي انتشرت في العراق لأنه فشل في كبح جماح تصميم بوش لغزو العراق.
وأضاف (مايرز) افتتن طوني بلير بسحر البيت الأبيض ما جعله في موقع المفاوض الضعيف إزاء بوش كما كان حال تشرشل مع فرانكلين روزفلت ومارغريت تاتشر مع رونالد ريغان, وقال مايرز باستهزاء: أي شيء يفعله بوش يريد بلير أن يكون برفقته وبصحبته.
وسوف يصاب المؤرخون في المستقبل بالحيرة أمام القرار الذي اتخذه بلير بشأن مشاركة بلاده في الحرب على العراق رغم معارضة مسؤولين بارزين في لندن ومعارضة الشعب البريطاني لرئيس الوزراء.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل رغب بلير في إحياء أمجاد بريطانيا الماضية يوم كانت تشكل القوة العظمى في العالم?
هذا في الوقت الذي تتعرض فيه سياسته الخارجية لهجوم من مجموعات العمل المكلفة من قبل حكومته بمتابعة التحقيقات حول وضع استراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب, فالتدخل العسكري البريطاني في العراق فجر النزاعات داخل مجلس العموم حول القوانين الصادرة بحق المشتبه بتعاونهم المزعوم مع المنظمات الإرهابية ووصل عدد تلك القوانين والإجراءات إلى 64 إجراء يطول برامج التربية والتعليم داخل المدارس البريطانية, وكانت أعمال العنف الأخيرة قد اصطبغت بالتمييز العنصري إثر اعتداء شبان بريطانيين على مواطنيهم الملونين لترتفع نسبة الجرائم العنصرية إلى 29% بالمقارنة عما كانت عليه العام الماضي.
أما في الولايات المتحدة فأدى انفجار فضيحة (بليم غيتا) نسبة ل(فاليري بليم) التي اتهمت بالتعامل مع سي آي إيه إلى اهتزاز صورة جورج بوش الابن في الشارع والكونغرس على حد سواء وكان الجناح اليميني للحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه بوش الابن قد اتهم الرئيس وطاقمه بإضعاف الحزب مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والنيابية القادمة ليسأل زعيم الحزب الجمهوري كيف يمكننا تحقيق الأغلبية في الكونغرس بعد أن تلطخت سمعة بوش بوحل حرب العراق?