قبل بدء الحرب على العراق حاول الرئيس الأميركي أن يجد من يشاركه المسؤولية مدعياً بأن الكونغرس قد اطلع على نفس المعلومات التي أعطيت له وللرئيس السابق بيل كلينتون في محاولة منه إلى تحميل جهاز الاستخبارات الأميركية CIA مسؤولية هذا العمل وقد شن هجوماً عنيفاً ضد الديمقراطيين متهماً إياهم بتقديم يد العون والمساعدة للإرهابيين وأضاف بأن النظر بعين الشك والريبة والاعتراض على ما قام به منذ نحو ثلاث سنوات هو بمثابة خيانة للجيوش الأميركية التي تقاتل اليوم على أرض العراق فضلاً على أن المعلومات التي اطلع عليها كل من الرئيس كلينتون ومستشاريه بالإضافة إلى أعضاء الكونغرس والحكومات الأجنبية هي ذات المعلومات التي اطلع عليها الجميع بمن فيهم الرئيس بوش وقد حصل كل من ألقى نظرة على تلك المعلومات إلى النتيجة ذاتها التي وصل إليها بوش وإدارته لكن الجزء الوحيد الذي يبدو حقيقياً وواقعياً هو أن بوش قد تخلص من بعض المعلومات التي قدمت للرئيس كلينتون إذ إن التقارير التي قدمت حول حيازة صدام حسين لأسلحة محرمة دولياً كانت عبارة عن تقارير أكل الزمن عليها وشرب إذ يعود تاريخ كتابة بعض تلك التقارير إلى أكثر من عشر سنوات ويعود أحدثها إلى خمس سنوات عدا التقارير الوهمية التي قدمت فيما بعد وثبت بالدليل القاطع زيفها.
فضلاً عن أن المعلومات والتقارير التي قدمها جهاز الاستخبارات الأميركي للكونغرس قبل أيام قليلة من موافقة الكونغرس على بدء الحرب على العراق كانت تقارير منقحة ومصححة وقد حذف منها أي خلاف أو شقاق في الرأي ما جعل الحدس يبدو أمراً واقعاً ومصححة بالطبع التصور ما عناه الرئيس بوش عندما قال بأن كل من قرأ تلك التقارير والإفادات قد وصل إلى ذات النتيجة إذ ورغم الاعتقاد السائد من أن العراق يملك أسلحة كيميائية وبيولوجية إلا أن الرئيس كلينتون قد نظر إلى المعلومات المقدمة له وقرر أن عمل لجان التفتيش بالإضافة إلى ممارسة بعض الضغوط على العراق والعمل السريع والحاسم عامل كاف من حيث القوة لإحداث النتائج المرجوة وهانحن ندرك اليوم كم كانت نظرة الرئيس كلينتون صائبة ودقيقة.
هذا وقد صرحت كل من فرنسا وروسيا وألمانيا بأن الحرب التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية على العراق هي حرب غير مبررة وقد اعترفت المملكة المتحدة فيما بعد على عدم توفر أدلة جديدة في خصوص الاتهامات الموجهة في حق العراق وأن الجديد في الأمر ظهور سياسات جديدة تجاه العراق عوضاً من أدلة جديدة.
وقد شارك البعض الإدارة الأميركية الاعتقاد والقول من أن العراق كان يسعى وبشكل جدي لحيازة أسلحة نووية إلا أن الأدلة التي قدمت في خصوص هذا الشأن كانت عبارة عن تقارير مريبة تتحدث عن محاولات عراقية تمت في عام 1999 لشراء اليورانيوم وقد ثبت فيما بعد بعدم مصداقيتها, كما ثبت كذب وزيف المزاعم السخيفة والمضحكة التي تبنتها الإدارة الأميركية عندما ادعت أن القاعدة هي عبارة عن حليف غير رسمي للعراق وعن وجود علاقة بين هذا التحالف وبين هجمات الحادي عشر من أيلول وقد تبنت الإدارة الأميركية هذا الاعتقاد المنافي للمنطق والعقل على قصتين زائفتين إحداهما الرحلة التي قام بها محمد عطا إلى براغ والتي كانت محور جدل وخلاف لأنها صدرت أصلاً عن مصدر غير موثوق والثانية تقول بأن العراق يقوم بتدريب أفراد وعناصر القاعدة على استخدام الأسلحة البيولوجية والكيميائية وقبيل الحرب على العراق وصلت الاستخبارات إلى نتيجة مفادها أن أحد المخبرين قام بفبركة هذه الرواية العارية عن الصحة.
إن ما أكده الرئيس بوش مؤخراً من أن تحقيقات لجنة الاستخبارات لم تكشف عن أي دليل يؤكد ممارسة أي نوع من أنواع الضغط السياسي من أجل تغيير المعلومات صحيح بالمعنى الضيق إذ أصر الجمهوريون على تعريف كلمة ممارسة الضغط والتي عرفت على أنها ممارسة ضغوط مباشرة من قبل كبار موظفي أميركا الرسميين من أجل تغيير المعلومات الموجودة إلا أن الأسلوب الذي اتبعته إدارة بوش هو أسلوب آخر إذ جعلت ما تريد الوصول إليه جلياً وواضحاً واستمرت في إعادة إرسال التقارير المرسلة لها من أجل تعديلها أو إعادة صياغتها مرات عدة حتى حصلت أو تم لها ما تريد وقد أخبرنا أحد المحققين بأن إدارة بوش قامت بمحاولات متكررة وعديدة من أجل الوصول إلى مبتغاها وأن تلك المحاولات التي تمت كانت الأكثر صرامة خلال 32 عاماً التي شهدها في وكالة الاستخبارات.
وقد قال الرئيس بوش وشاركه الرأي بعض موظفي إدارته بأنهم قاموا بالإفصاح عما قرؤوه في تلك التقارير بكل صدق وأمانة إلا أن ديك تشيني كان يلوح باللقاء المزعوم بين محمد عطا وأحد ضباط الاستخبارات العراقية والذي شكك في صحته معظم المحللين ولم تعترف الإدارة الأميركية حتى يومنا هذا بزيف الرواية القائلة إن العراق يقوم في تدريب أفراد عناصر القاعدة على الحرب وفنون القتال.
ولم يكن ديك تشيني الوحيد الذي أشار إلى حيازة العراق أسلحة دمار شامل بل شاركته الرأي وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس وأيدها كولن باول في شهر كانون الثاني في عام 2003 عندما قال متسائلاً لماذا يسعى العراق جاهداً للحصول على مادة اليورانيوم والمعدات الخاصة والضرورية لتحويله إلى مادة تستخدم في صناعة الأسلحة النووية? على باول أن يعلم الآن أن التقرير الذي ذكر مادة اليورانيوم بالإضافة إلى سعي العراق للحصول على مواد ومعدات خاصة تقرير كاذب وأنه قد مضى أربع سنوات على قصة محاولة حصول العراق على يورانيوم.
قد يكون الرئيس الأميركي ومستشاروه مقتنعين اقتناعاً حقيقياً بحيازة العراق أسلحة دمار شامل إلا أنهم لم يسمحوا للشعب الأميركي ولا حتى للكونغرس بالاطلاع على المعلومات اللازمة والضرورية من أجل اتخاذ قرار واستنتاج منطقي وقد بات من الواضح أن إدارة بوش قامت بتضليل الشعب الأميركي بشأن امتلاك صدام حسين أسلحة الدمار الشامل ولعلاقته مع الإرهابيين, ومن حق الشعب الأميركي أن يعرف كيف ولماذا كان ذلك? لقد قال بوش بأنه مستعد للاشتراك بأي مناظرة في هذا الخصوص وإن كان في زمن الحرب إلا أن إعادة كتابة تاريخ كيف بدأت تلك الحرب يعتبر أمراً غير مسؤول فكيف إذا كان الرئيس بوش وفريق عمله هم من يقومون بإعادة صياغته.