منذ آلاف السنين والحرية تتلون وتتشكل حسب الاهواء والمصالح, كل امبراطورية كانت لها الحرية التي تدافع عنها وباسمها تغزو وتفتك وتدمر.. باسم الحرية, كانت حروب التتر والمغول والفرنجة.. باسم الحرية والمساواة كان الاستعمار الغربي لاوطاننا وباسم الحرية نذبح اليوم الف مرة الحرية تعني ان تؤمن ان من حق شارون ان يسحق العظام ان يدنس مقدساتنا, وان تقتلع اشجار الزيتون, وان يذبح الاطفال في احضان امهاتهم, باسم الحرية بني جدار الفصل العنصري, وباسم الحرية اعلن شارون انه لن ينسحب من الاراضي العربية المحتلة.. وام الحرية الرؤوم لا تحرك ساكنا ولا تفعل شيئا , يكفيها ان تراقب المشهد وتصدر الأوامر لقمع الحياة ووأدها.. الحرية لهم حيث هم , لهم ان يكدسوا من دمنا وثرواتنا وتاريخنا ويصنعوا اهرامات المال والاقتصاد, لهم ان يشعلوا نار الحروب حيث يريدون, واليوم يعدون الحطب ويشغلون عود الثقاب لعل عظامنا تصبح فحماً حجرياً, او وقودا, هي حروب من اجل المال, لا من اجل الحرية, حروب للثروات, حروب باسم الحرية لم نكن اول ضحايا هذه الحروب, ولن نكون اخرها, ولكن كم نتمنى ان نكون الحجارة التي لا تشتعل.. الكاتب الروائي الفرنسي اناتول فرانس في كتابه ( جزيرة البطريق) توقف عند الروح التي تقاس فيها نتائج السياسة الامريكية واصفا اياها انها بلا روح, وقد اشار المفكر الفرنسي روجيه غارودي في كتابه : الولايات المتحدة طليعة الانحطاط الى ذلك وقد نقل غارودي مقطعا من جزيرة البطريق يصور البروفيسور اوبنويل الذي يزور الولايات المتحدة ويحضر جلسة للكونغرس الامريكي ويقدم لنا التحليل التالي: رئيس الجلسة : انتهت الحرب التي اشعلت لفتح اسواق زيلاند ا لثالثة بشكل يرضي ا لولايات المتحدة, اقترح عليكم ان نرسل الحساب الى مفوض الادارة المالية.
هل من معارض..? حسن فاز الاقتراح.
وسأل البروفيسور ابنويل مترجمه المرافق له :
هل سمعت جيدا? ماذا انتم الشعب الصناعي تشغلون انفسكم بكل هذه الحروب أجاب المترجم: بلا شك فهذه الحروب, حروب صناعية والشعوب التي لا تمتلك صناعة ولا تجارة غير ملزمة بخوض الحروب. اما الشعوب التي لديها اعمال, فهي مرغمة على سياسة الغزو, ولهذا ارتفع بالضرورة عدد الحروب التي اشعلناها مع ازدياد نشاطنا ا لانتاجي, عندما نجد صناعة من صناعاتنا انها لن تستطيع تصريف منتجاتها فلا بد من اشعال حرب ماكي نفتح سوقا جديدة, وهذا ما فعلناه هذا ا لعام في حرب الكربون والنحاس وحرب زيلاندا الثالثة, قتلنا ثلثي السكان لنجبر الثلث الباقي على شراء المظلات والقمصان الداخلية.
وفي هذه اللحظة صعد الى المنصة رجل ضخم كان يجلس على كرسي في وسط المجتمعين وقال: اطالب باعلان الحرب على حكومة جمهورية ايميرود التي تنازع خنازيرنا بوقاحة السيطرة على تجارة الجامبون والسجق في كل اسواق العالم .
فسأل الدكتور اوبنويل من هو هذا المشرع? فأجاب المترجم: انه تاجر خنازير, قال رئىس الجلسة: هل من معارض..? اذن اطرح هذا الاقتراح على التصويت.
وهكذا جرى التصويت برفع الايدي على اشهار حرب ضد جمهورية ايميرود وفاز الاقتراح بالاغلبية الساحقة, قال اوبنويل: ولكن كيف? أبهذه السرعة واللامبالاة تقرون اشعال الحرب? اجاب المترجم: اوه انها حرب لا اهمية لها , اذ لن تكلف اكثر من 8 مليون دولار..
والرجال ..? اجاب المترجم انهم ضمن ال 8 مليون دولار..
بقي ان نشير الى اننا احتفينا ذات يوم بالمفكر روجيه غارودي ونسينا قراءاته المستقبلية, نسينا كتابه الرائع ( الولايات المتحدة طليعة الانحطاط ) ومنه اخذنا هذه القصة..
باسم الحرية, باسم ال (8) ملايين دولار التي كانت عام 1908 م تستمر جزيرة البطريق, لقد تغير الامر قليلاً ارتفع عدد الرجال وارتفعت الكلفة لأن المسافة الجغرافية ابعد, وباسم الحرية تحيا الحروب, وتسحق الشعوب وتظل سيدة الحرية تبرد قدميها بماء الاطلسي.