خلقت الثورة الإسلامية في إيران محوراً يحافظ على كرامة الشعوب وعلى ثرواتها وهويتها، ويتصدى للهيمنة الأميركية والغربية والإسرائيلية، وعدها البعض ثورة الضعيف على المستقوي وعززت في ضمائر الشعب القدرة على مواجهة قوى الطغيان.
وأيضاً ثورة مصر، فتحت صفحة جديدة بإرادة المجتمع والشعب المصري، وبينما راحت وسائل الإعلام الغربية تمجد هذه الثورة العظيمة، ظلت القوى الكبرى رافضة في قرارة نفسها التغيرات السياسية التي فرضتها الثورةالتي اندلعت بعيداً من مخططاتها وإرادتها وجعلت زمام الأمور يفلت من يدها، وليس مفاجأة أن تتحمس وسائل الإعلام الدولية المساندة لنظام الهيمنة العالمية لثورة الشعب في مصر العربية وتقوم بآلاف التحليلات والتحقيقات والريبورتاجات عن سقوط نظام مبارك الذي حدث في غفلة عنهم خلال ثمانية عشر يوماً من بدء الثورة، ونسوا المواقف الأميركية والغربية الداعمة للنظام البائد مدة 30 عاماً، ونسوا أنهم تأخروا ثلاثة عقود عن الاستجابة لمطالب الشعب المصري، فالدول الغربية التي رحبت بتنحي مبارك ونظامه، يجب أن تعترف أن نظامه هذا كان يلقى الدعم منها.
سقط نظام حسني مبارك الذي دامت فترة حكمه قرابة 30 عاماً بدءاً من عام 1981 عندما اغتيل سلفه أنور السادات في 6 تشرين الأول في عرض عسكري للجيش، وقد تابع مبارك خطا السادات ونهجه على اتفاقيات كامب ديفيد التي أدت إلى إضعاف وانحدار المشروع الإقليمي العربي أمام المشروع الغربي الصهيوني.
ومبارك أحد ضباط القوى الجوية غدا نائباً للسادات عام 1975 إثر توصية من دول غربية.
وبعد تنحي مبارك عن الحكم ستتحدد معالم الفترة المقبلة التي سيرسمها شعب مصر العريق، وإسرائيل تخشى هي والغرب من حكومة جديدة تلغي اتفاقيات كامب ديفيد التي ترسخت 36 عاماً ،كما تخشى عودة مصر إلى بيتها العربي المؤيد لقضية فلسطين، لما لها من ثقل نوعي مؤثر في الموقف العربي ولاسيما أنها مؤهلة لأن تصبح إحدى القوى الكبرى اللاعبة في المنطقة مع خروجها من الانجرار وراء السياسات الأميركية المؤيدة للمشروع الإسرائيلي الذي يكشف في هذه الأيام عن تراجع «مناعته» ويعترف بذلك خلال مؤتمر هرتزليا للأمن القومي الحادي عشر الذي بدأ أعماله في 6 شباط الجاري ورأى تراجع« المناعة القومية» في إسرائيل .
دول الغرب ولاسيما الولايات المتحدة لا تنفك تقدم الإملاءات ومطالبتها بالحفاظ على اتفاقيات كامبد ديفيد مع إسرائيل لضمان أمنها، مع أن ممثلي دول الغرب أعربوا عن وقوفهم مع كل من « يطالب بالحرية وحقوق الإنسان» وأكدوا إيمانهم بأنه« لا يمكن خنق تطلعات الشعوب في الحرية وفي مشاركتهم في صنع القرارات التي تؤثر في حياتهم ومجتمعاتهم».
فهل سيقبل الغرب بالديمقراطية الحقيقية في مصر وهل سيرضى بقرار شعبي مصري يؤسس لشرق أوسط جديد لا يخضع للإملاءات الأميركية والإسرائيلية، إذ يفتح المجتمع المصري صفحة جديدة بإرادته لبناء وطنه على مبادئ الحرية والمواطنة الصحيحة التي ترفض المشاريع الاستعمارية؟ يزعم الغرب أنه يخشى من تبخر مفاوضات السلام بعد تنحي مبارك الذي وقف ضد إرادة شعبه سنوات طويلة.
والرئيس الأميركي أوباما المرحب بتنحي مبارك يرى أن سقوط مبارك ليس نهاية الأيام، بل ستكون هناك أيام صعبة وطويلة في مصر، هذا تصوره، وإسرائيل التي تشعر باتساع الفجوات الاقتصادية والاجتماعية لديها والفساد فيها وأزمة القيادات المحتدة في جيشها صدمت في العمق بسبب غياب مبارك وتعد مصر ذات أهمية قصوى لغايات أمنية واقتصادية، فالرئيس المخلوع لم يخف يوماً تأييده لإسرائيل في حروبها العدوانية على أبناء الشعب العربي، وكذلك تسهيلاته لها من أجل الاستيطان في فلسطين، ووقف إلى جانبها ضد عالمه العربي والإسلامي، وكانت ثورة 25 كانون الثاني ثورة البحث عن الهوية والانتماء والكرامة، ولا نعرف ما سيطلق الغرب على هذه الثورة اسماً، فهو الذي أطلق على ثورة تونس العظيمة أيضاً تسميه«ثورة الياسمين» وهي تسمية يمقتها شيوخ تونس لأن الاستخبارات الأميركية أطلقت الاسم نفسه على انقلاب بن علي عام 1987 على الحبيب بورقيبة.
الصحافة الغربية ستردها من الآن فصاعداً محددات من الإمبراطورية الأميركية في محاولة لتطويع الشعب المصري، وستعمل سفارة ال«CIA» في مصر على جولات مكوكية في محاولة لحوك نظام يحافظ على كامب ديفيد، ولكن القرار المصري سيخرج دوماً من « ميدان التحرير» وميادين أخرى بسواعد الشعب المصري البطل.