|
هل عادت مصر إلى أمتها؟ شؤون سياسية لأن مصر ليست بلداً عادياً، وهي في القلوب العربية كلها:نبض حياة وقوة وجود وعنوان عز، ولعل العرب الآن ينتظرون ما يتوقعونه من مصر بعد أن اختطفها العدو( في كامب ديفيد)لأكثر من عقود ثلاثة- وبعد أن أضعف ذلك الحدث أمة العرب كلها.أضعف قدرتها على مواجهة التحديات المصيرية من فلسطين المحتلة إلى احتلال العراق إلى انقسام السودان إلى خفوت تام لوهج العروبة في العواصم كلها، ولكن ذلك وسواه يحتاج منا أن نكون لمصر ذراعاً ويداً وقوة وفكراً وعناقاً تاريخياً واندماجاً حتى الروح والجسد والمستقبل والزمن الآتي المفعم بالحركة والإبداع كله. ولعل شهر كانون الثاني 2011 سيسجل في التاريخ الإنساني بحدثيه الرائعين: الأول في استعادة العرب تونسهم الخضراء وبقوة مدهشة، والثاني في عودة مصر إلى أهلها وفي احتضان العرب أم الدنيا، وبكم من الشجاعة والجرأة أبداهما شعبها العريق عز نظيرهما في التاريخ الإنساني. لقد توقعت أن تلتقي بهية بحبيبها ياسين- وقد قيل دائماً إن ياسين قتل غيلة وإن عروسه بهية ندبت حظها وبكت وظلت تبكي لكنها احتفظت في خزانتها بثوب عرسها على ياسين- ورفضت كل الخاطبين والمعجبين والطامعين بها- بجمالها وبثراء روحها ووجدانها وفكرها وقدرتها على الصمود والاستمرار والإبداع والابتكار. وأشد المعجبين الطامعين بها كان عدوها، حتى إنه كان هو من كبلها وأخفاها في زنزانة مظلمة، لينتزع من عقولنا أمل عودتها والتقائها بياسين، ولكن سجنها لم يدم وانتفضت إرادة الحياة والحرية في بهية ليؤكد لسجانها أنه لم ينجح في أن يزرع ويرسخ في وجدانها فكرة مصرع حبيبها- ياسين. ها قد بلغ التاريخ مرحلة الافتخار بالشعب العربي العظيم شعب مصر، باني الأهرام ومن شق قناة السويس- ومنه من استبسل في بورسعيد ومنهم أبطال العبور وقبل ذلك صورة عرابي،لقد كانت مهمته صعبة وعسيرة وطويلة بيد أن نفسه أطول، لذلك كانت دهشة الدنيا به بحجم التحدي الذي واجهه الشعب العربي في مصر، ولثمانية عشر يوما وأبناء مصرنا يأبون الرضوخ حتى أمام الجوع والهوان والسياط وأمام البلطجة والقتل والسياط والسحل والتغييب، لقد أصروا أن يوضحوا للدنيا كلها أصالة المعدن العربي ونصاعته وقدرته على أن الإبهار وحتى على صنع المعجزات هذا هو الذي كنا نحن نتوقعه.. هذا شعبنا وهو يحمل صفاتنا وموروثنا، لكننا كنا القلب منه كما كان هو مهجتنا وأرواحنا. أليس استهدافنا جميعاً وتهديد مستقبلنا كأمة كان باستهداف مصرنا أولاً؟ أليس إخراج مصر من ساحة الصراع العربي الصهيوني( في كامب ديفيد) دلالة أكيدة على مدى فهم عدونا لمكانة مصر فينا وفي دنيانا بل في الدنيا كلها؟ مصر تعود رغم كل من كان يراهن على أنها ستخنقنا وتخذلنا، كما أسهمت في خنق شعبنا في قطاع غزة وخذلته، لكنهم أخطؤوا، فمصر النظام أمر وشعبها أمر آخر، مصر الشعب هي التي حددت المصير وفجرت زلزالاً لم يتوقعه أي من أعدائنا لقد اهتزت من قلبها الخافق بدءاً( بميدان التحرير- ميدان الثبات والشهادة) مصر تعود بفكرها وببسالة شعبها وبجذرها الأعمق في التاريخ البشري لتزرع الهلع في قلوب من يحتلون الوطن ويهددون الكرامة القومية والأمن القومي، مصر تعود إلى أحضاننا ونحتضنها بشوق آلاف السنين المخزون في جنباتنا وفي أكبادنا وفي ضمائرنا، عادت مصر لتعود إلينا العزة والقوة التي بذل الأعداء المستحيل لكي نفقدهما معاً حتى لا نرفع رؤوسنا وبشموخ. الله ما أروع التاريخ الجديد الذي يصنعه شعبنا خلال أسابيع لا تتعدى الستة في الحالتين التونسية والمصرية.
|