وربما انطلقت المرحلة الرابعة مع نهاية الاسبوع الماضي في مصر. فإذا كانت حركة الاصلاح السياسي في شوارع القاهرة ستتحول إلى وضع ايجابي أو سلبي بالنسبة للمنطقة، فإن ذلك سيعتمد على كثير منه على اللاعبين الجدد في القاهرة وإلى درجة أقل على باراك أوباما. وإذا كان التاريخ يشكل أي دليل أو مرشد، فربما سيستغرق ذلك عدة أشهر، إن لم يكن سنوات، لنعرف بدقة ما الذي سينتج عن ذلك.
وإذا ما خلصت الدراما المصرية باستقالة للرئيس حسني مبارك أو تفويض صلاحياته لنائبه وتلا ذلك انتخابات فعلية منفتحة في قلب العالم العربي لاختيار خلف له، سيصبح من الممكن استبدال التخبط و الفوضى بمرحلة جديدة من الاستقرار المعتدل المفيد للمصالح الاميركية. وستشكل أي نتيجة أخرى على الاغلب الانطلاق إلى عهد أقل ودية مع الولايات المتحدة الاميركية.
يشترك الاضطراب الذي اندلع في مصر في اعقاب قصة مماثلة حدثت في تونس، البلد الاقل أهمية، مع القواعد الاساسية لما حدث مسبقاً: حيث لم تؤثر كل حادثة على حدة فقط في البلاد، بل غيرت الطريقة التي كانت المنطقة بأكملها تفكر كل حادثة على حدة فقط في البلاد، بل غيرت الطريقة التي كانت المنطقة بأكملها تفكر فيها بذاتها. إذ لم تكن مصادفة أن كل هذه الاحداث الجوهرية كانت قد ركزت على مصر، المرساة العربية الغربية، أو على إيران، المرساة الفارسية الشرقية للمنطقة.
فما يحدث على أرض هذين البلدين كان له تأثير دائم على كامل الشرق الأوسط، الامر الذي يجعل السياسة الاميركية الخارجية ثابتة حيال ما يحدث في تلك الدولتين.
لقد كانت ثورة جمال عبد الناصر حدثاً جوهرياً ليست فقط لأنها أوصلت مجلساً عسكرياً إلى السلطة بدلاً من حكم ملكي تقليدي (فاقد للمصداقية) بل لأن جمال عبد الناصر قدم فكرة القومية العربية لدى تسلمه السلطة.
حيث كان جمال عبد الناصر القوة الدافعة لثورة عام 1952، رغم أن استقراره في السلطة استغرق منه حوال اربع سنوات، لكي يقدم نفسه كقائد حقيقي ليس فقط لمصر وحسب، بل لأمة عربية لا تزال غاضبة بسبب اقامة إسرائيل وسط الأمة العربية. وحسب ما اقترح، ومن خلال توحيد الدول العربية اليائسة، اعتمد عبد الناصر على إمكانية انبعاث أمة عربية عظيمة تأخذ مكانها الصحيح إلى جانب قوى العالم العظمى.
لكن هزيمة الجيوش المصرية، وإلى جانبها الجيوش العربية المشاركة في حرب عام 1967 مع إسرائيل، سددت صفعة موجعة لذلك التفكير. فقد تسبب للمفكرين العرب و للمواطن العربي على حد سواء بالشك في رؤية جمال عبد الناصر للقومية العربية. و أدى هذا الشعور في الحقيقة إلى فترة من اختيار الذات، وتبادل اللوم فيما بينهم، ما جعل شعوب المنطقة تعتقد بإفلاس القومية العربية.
وبعد أكثر من عشرة سنوات، اندلعت الثورة الإيرانية، ورغم حدوثها في مكان غير الامة العربية، بل في العملاق الفارسي المجاور، فقد أحضرت معها فكرة إمكانية استبدال القومية العربية بالحكم الاسلامي.
وانطلقت الفكرتان في تنافس مع بعضهما، وعمل القادة العرب العلمانيون منهم و التقليديون قصارى جهدهم، بما فيهم الرئيس حسني مبارك على الحفاظ على سلطاتهم في وجه الفكرة الجديدة.
وتقدم مصر الآن إمكانية تحول آخر. لكن هل سيفضي هذا التحول إلى طريق جديد كلياً، أي خلق حكم ديمقراطي علماني يقوده مطلب شعبي او فتح الباب أمام قوى معادية للغرب لإكمال العملية المنطلقة في إيران؟ لا يمكن أن تكون نتيجة هذه اللحظات الجوهرية والحيوية قدرية حتمية، بل من الممكن أن تحفز من خلال قوى محلية ودولية في آن معاً.
وعلى الاغلب ما يتم نسيانه الان هو أن مسار ثورة إيران لم يكن واضحاً في انطلاقته. فقد كانت حكومة ما بعد الثورة تضم بين جنباتها يساريين علمانيين في بدايتها.
واستغرق التقرير بقيام جمهورية اسلامية في إيران عدة أشهر، واحتاج الاتفاق على كتابة الدستور الاسلامي فترة زمينة أطول، وهكذا لم تكن الامور واضحة إلى أن تم استبعاد الرئيس العلماني عبد الحسن بند سدر عام 1981. وفي اخر المطاف، سيطر رجال الدين على النظام الإيراني.
هذا ما يجعل الطريقة التي سيتم من خلالها التعامل مع المسرحية المصرية بالغة الاهمية. فإذا قرر عمر سليمان قيادة انتقال منظم للسلطة عن طريق إجراء انتخابات مبكرة منفتحة، وإذا كان بإمكان السيد البرادعي الظهور كشخصية تجسيرية فاعلة في الانتقال إلى حكومة مدنية علمانية، وإذا تمكن السيد أوباما بكونه أكثر قائد لفاعلي الخير أهمية بالنسبة لمصر من دفع الاحزاب كلها إلى نتائج كهذه- ربما تكون المرحلة الجديدة مرحلة سعيدة بالنسبة لواشنطن. وإذا اردت أن تعتقد بأفكار ايجابية، عليك أن تفكر ملياً بالكلمات التي قالها المتنبىء بما ستؤول إليه الأمور، السيد محمد حسنين هيكل، أمين سر جمال عبد الناصر، لصحيفة بريطانية في مقابلة اجرتها معه منذ اكثر من ثلاث سنوات: «إن تأثير المحمول و أجهزة الكمبيوتر و الفضائيات سيولد جيلاً لايمكن التحكم به بالطرق التقليدية، عادة، الأجيال تعيد خلق ذاتها لكن أمراً آخر يحدث هذه الأيام » ربما يكون ذلك ايجابياً أو سلبياً، إننا لا نعلم تماماً حتى الآن.