مع أن عصر الصناعة منح العقل قيمة أكبر واستبعد القلب لمصلحة العقل، ورغم دخول مصطلح «الحب العقلاني» مختلف التسميات وتضارب المفاهيم حول الحب يبقى من يؤكد أنه لايمكن فصل العقل عن القلب وأن الشعوب على مر العصور فلسفت الحب وكلّ كان له تجربته.
لايزال الحب يشغل المؤلفين الذين تناول عدد منهم مؤخراً معنى الحب وعلاقة الفلاسفة بالحب فصدرت عدة مؤلفات في هذا الصدد.
كتابان يعالجان بشكل واسع قضية الحب بكل أبعادها لمؤلفين يعتنقان البوذية وهما: فابريس ميدال مؤلف كتاب «إذا كنا لا نعرف شيئاً عن الحب» وفيه يثير مفاهيم الحب التي جعلت منه قضية عواطف ومشاعر والكاتب ميدال كقارئ للشاعرة سافو (شاعرة يونانية كتبت عن الحب وانتحرت) يدافع عن الرؤية الصوفية والغريزية للحب وبرأيه إن نبع الحب موجود في أعماقنا، نبع يوقظه جمال وجه جمال جسد.. جمال مشهد أو أغنية ما.
والفيلسوف الآخر جوزيف بيير المسيحي المعتقد يطرح قضية الحب التي تلتقي مع فابريس ميدال رغم أن رؤيتهما تتباعد في نقاط أخرى ويقول: ألا يوجد جوهر مشترك لحالات الحب المتعددة؟ وماذا يعني أن نستخدم الكلمة ذاتها للدلالة على أشياء مختلفة كالحب الغريزي وحب الأمومة وحب الصداقة والأخوة وحب الموسيقا وحب الخمر.
ذاك الذي يعتبره أحد أساتذة الفلسفة الذين يمتدحون الإلهة ايروس رمز الإثارة والذي يعبر عن وجوه الحب ويقول: يبدو العطف دون إثارة حب جاف والجنس شيئاً فظاً.
أما كتاب «ثورة الحب» لمؤلفه لوك فيري فقد أثار ضجة أيضاً وفيه يدعي المؤلف أن الحب الذي نشعر به تجاه الزوجة والأولاد سيفيض إلى الدائرة الاجتماعية المحيطة.
وبعد قراءة التاريخ الغربي بمنظور الحب يؤكد الكاتب أن المشاعر والانفعالات الناتجة عن الحب أصبحت الصور الجديدة لقداسة الحياة ومعانيها وسوف تبدل رؤيتنا للإنسانية.
يقول: سأعلن لكم عن جديد في المجتمع الأوروبي إذ لن يوجد من الآن فصاعداً من يريد الموت من أجل الوطن أو الثورة، فالأشخاص المستعدون للتضحية بأنفسهم هم أولئك الذين يريدون الموت لأجل من يحبون.
أما باسكال بروكنير فهو أقل تفاؤلاً ويرى أننا نعطي الحب أكثر مما يستحق، يقول في كتابه «هل فشل زواج الحب»، لقد صنعنا من الحب إلهاً جديداً وأصبحنا جاهزين للتضحية بالغالي والنفيس من أجله، بالزوج والأولاد والأصدقاء، ويستنكر هذا التعصب للحب الذي يقودنا إلى الولع بحالة الحب أكثر من الأشخاص ذاتهم.
كتب متنوعة لاينقصها التشويق على أنها تثير في الغالب عدم ارتياح في الحديث عن الحب لأننا لانعرف عما نتكلم، ولفرط مايطرحون ذلك كتجربة مشتركة للمجتمعات ينمو لدينا الشعور بأن هناك فلسفة ما ولا نجرؤ على الذهاب في آفاقها وكأنها رفضت أن تطرح السؤال الأخير حول معنى الوجود، فهل علينا أن ندعو إلى إشراك العقل في الحب أو إخضاع الحب للعقل.. هذا ما ننتظره من الفلاسفة الذين يتوجب عليهم إعادة النظام لهذا المصطلح الذي نحمله كل شيء، كماعليهم إخراجه من استخداماته غير الصحيحة وتمييز مختلف صوره.
بهذا الشرط فقط نستطيع أن نفكر ماذا يمكن أن نفعل بالحب عندما يدق بابنا.
إن الكلام عن الحب يفتح الباب لأسئلة متنوعة أخرى أكثر اتساعاً وشمولية.
هذا ماطرحه الفيلسوف الألماني جوزيف بيبر (1904-1997) في كتابه «حول الحب» وهوكتاب رائع صدر عام 1972، لكنه لم يصدر بالفرنسية إلا العام الماضي، وفيه يذكرنا الكاتب ب «مأدبة أفلاطون» والنقاش الذي تم خلالها عن الحب حيث اعتبر الكاتب أن اهتمام الفلسفة بالحب بدأ حينها بعد أن كانت المسألة مسألة بيولوجية ونفسية واجتماعية حين كان ينهض أحدهم ليعلن أنه لايفهم شيئاً من أمر الحب إلا إذا فكر بالطبيعة الإنسانية.
كتاب آخر بعنوان: «عظيم أن تكون أمامي ويا للسعادة أن أكون معك».
أما المؤرخ لوسيان جيرفانيون الذي عبّر عن حزنه لتشويه صورة الحب فيقول: ليس هناك حب حقيقي إلا حين يلتقي شخصان ويكتشف أحدهما الآخر ويجد أن هذا الآخر صورة عن ذاته حتى الخلود، وبدءاً من هذه اللحظة لانعد أحراراً بذواتنا كما أن الحب يجعلنا نخشى الموت في كل لحظة.